الخميس، 28 يناير 2016

تحليل الشخصية (١)



تحليل الشخصية (١)
تتفاوت الشخصيات في أنماطها حسب قدرتها على الإستقلال و التأثير 


هذه الدراسة التمييزية لأنماط الشخصيات البشرية تعتمد في كثير من إستنتاجاتها على بنية اختبار الشخصية الذي قامت بصياغته كاثرين كوك برغز Katharine Cook Briggs وابنتها إيزيبيل برغز مايرز Isabel Briggs Myers واللتان صنفتا الشخصيات البشرية على أساس نظرية كتبها كارل يونغ Carl Jung عالم النفس السويسري الذي صنف هو الشخصيات على أساس ثلاثة وظائف سيكولوجية أساسية يتفاعل من خلالها الإنسان مع العالم  ، كلما اختلفت وظيفة من هذه الوظائف اختلفت طريقة تلقيه أو تفاعله مع ما يتلقاه ، ولذلك فإن الوظيفتان الأساسيتان جعلتا مركز الشخصية ثم استعمل يونغ الوظيفة الأخرى لتقديم أحد هاتين الوظيفتين على الأخرى و تمييز قوتها ، الوظيفتان الأساسيتان معنيتان بـ : التلقي ( الحسية مقابل الحدسية ) و العمل ( العقلانية مقابل العاطفية ) ، وهو - كارل يونغ - هنا يرى أن واحدة من هذه الأقطاب تكون طاغية على شخصية الفرد معظم الوقت فيما يطغى قطب آخرى على شخص آخر. لذلك فإن الأساس الذي يعتمد عليه هذا الإختبار ( MBTI ) هو أننا كلنا لدينا ميول محددة لترجمة تجاربنا المعيشية ، و أن هذا الميل في طريقة الترجمة يؤسس لشخصيات مختلفة في اهتماماتها ، و حاجاتها ، و قيمها ، و دوافعها . 



كتابة كارل يونغ في أنماط الشخصية Psycological Types كانت دراسة تحليلية و مقارنة غير تجريدية ولا رقمية، مبنية على مشاهدته الشخصية للواقع و الأحداث من حوله ، هذا جعل موقع دراسته العلمي ضعيف إلى حد ما نظراً لضعف طريقة الإستدلال ، لكنها برأيي عملية و مفيدة لحد كبير ولذلك فإني سأستخدمها في هذا المقال كنقطة أنطلق منها . كارل يونغ حدد وظيفتين أساسيتين لهما أربعة أقطاب ( الحسية / الحدسية و المنطقية / العاطفية ) ، ثم جعل لكل قطب إتجاه ( إما داخلي أو خارجي ) ، مما جعل لهاتين الوظيفتين ثمانية فروع تختلف في أثرها النفسي فيصبح لطغيان أحدها شكل إجتماعي مختلف. 

كاثرين كوك بريغز كانت قد بدأت دراستها في الشخصيات البشرية عام ١٩١٧ بعد أن قابلت زوج ابنتها الذي كانت شخصيته تختلف إلى حد كبير عن شخصيات أهله مما أثار فضولها و دفعها لقراءة السير الذاتية أملاً في تحديد الأسس التي تميز شخصيات الناس ، بعدها كتبت كاثرين نظريتها في أنماط الشخصيات البشرية بناءً على أربعة أعمدة : تأملي ، عفوي ، إداري ، و اجتماعي . لكن بعد أن تمت ترجمة كتاب كارل يونغ ( أنماط السيكولوجيا ) Psychological Types قامت كاثرين بقراءته لتكتشف أن نظريتة كانت أعمق من نظريتها مع التشابه الظاهر في المنطلقات ، عندها قامت بمراجعة أفكارها ثم سعت مع ابنتها لتحويل تلك النظرية (لكارل يونغ) إلى اختبار عملي يفيد في الحياة اليومية ، ولكنهما عندما صمما أختبار الشخصية أضافا للوظائف الثلاثة التي كان كارل يونغ قد كتبها وظيفة رابعة أساسية ليتم الإختبار شكله الحالي .. الوظيفة الرابعة (الحسم/ المرونة).  

ومع أن هناك كلام كثير على طريقة الإختبار نظراً لطريقة صياغة الأسئلة و سهولة اللعب في نتائجها إذ أن ميول المختبر المتحفظة أو المندفعة تؤثر في شكل النتائج ، إلا أن التقسيم نفسه واقعي و عملي ، لذلك فإنه يستحق لفت الإنتباه. 

تفسير نتيجة الإختبار يعتمد على نقطتين أساسيتين كما ذكرت سابقاً وهما : ١- ماهية الوظائف ذات الأولوية لدى الدماغ ( هي تحديداً الوظائف التي يجد الدماغ متعة في ممارستها)  ٢- و ماهية الميل القطبي لتلك الوظائف ؟ هل هو ميل داخلي أم خارجي ؟ 



سأحاول أن ألخص نظرية كارل يونغ في النقاط التالية ( مضافاً إليها الحرف الرابع الذي أضافته كاثرين و إيزابيل ) : 
I N T J
E S F P

عند النظر إلى الحروف الأربع العلوية في كل سطر نلاحظ التالي : 
١- أن الحرفان في المنتصف هما مركز شخصية الإنسان إذ هما يختصران طريقة تلقيه و وسيلة تفاعله . 
٢- أن الداخلية في مقابل الخارجية (الحرف الأول) يختلف معناها بحسب الوظيفة التي ترتبط بها ( هل هي وظيفة التلقي أم وظيفة التفاعل ) .
٣- الحسم في مقابل التراخي ( الحرف الأخير ) يساعدنا على تمييز أي الوظيفتين مقدم و يمثل شخصية الإنسان بشكل كبير .

بناءً على الكلام السابق فإننا نستطيع أن نترجم الشخصيتين العلويتين ، فنقول : 
 INTJ  .. Ni , Te , Fi , Se 
 ESFP  .. Se , Fi , Te , Ni

تحليل الشخصية الأولى .. - الخصلة الأولى فيها و الطاغية هي Ni (التأمل) و نظراً لأنه داخلي فهو معني بملاحظة الأحداث في الخارج و ربطها و صياغة صورة شاملة تفيد الأهداف الداخلية و القيم العميقة  - الخصلة الثانية  وهي المتداخلة مع الأولى Te (العملية) وهي في حقيقتها عقلانية خارجية أي تهتم بالعمل الخارجي و النتائج الملموسة  - الخصلة الثالة Fi وهي (الأصالة و الإطمئنان) وهو منطق عاطفي يهدف للإستقرار الداخلي عن طريق التكيف مع البيئة المادية أو الإجتماعية الموجودة   - الخصلة الرابعة Se وهي (الملامسة) وهي الإهتمام بالمادة و تفاصيلها و الأشخاص و حالاتهم . 

تحليل الشخصية الثانية .. - الخصلة الأولى و الطاغية فيها هي Se (الملامسة) وهي لا مرجعية الداخل النفسي ، الشخص يؤمن بالمادة و يهتم بتفاصيلها و يهدف للتفاعل معها و اكتسابها لتحقيق رضاه   - الخصلة الثانية Fi وهي ( الإطمئنان و الأصالة ) وهو المنطق العاطفي الذي يهدف للإستقرار و الأمان  - الخصلة الثالثة هي Te ( العملية ) ، - ثم الخصلة الأخيرة Ni (التأمل) 

هاتان الشخصيتان تختلفان لدرجة كبيرة نظراً لأنهما يقدمان وظائف مختلفة وبالتالي فإنهما يتفاعلان بطريقة مختلفة ، الأول يحب التأمل بينما الثاني تشغله بالمادة ولا يستطيع العيش بدون كمالها ، الأول لديه مركزية ذاتية ينطلق من خلالها للتأثير في العالم بينما الآخر يتأثر بالعالم و يتكيف معه ليحافظ على تلك المادة التي يحب و الظروف التي لا يستطيع التخلي عنها.

و للتوضيح فإني سأشرح كل واحدة من هذه الرموز : 
Te .. قطب يدل على السعي للتأثير في الواقع المعيشي عن طريق العمل المنطقي 
Ti .. قطب يدل على السعي للتموضع في الواقع المعيشي عن طريق المنطق 
Ni .. قطب يدل على سعي لفهم الواقع الكبير بنظمه لخدمة قيم و أهداف داخلية 
Ne ..  قطب يدل على سعي لفهم الواقع الكبير بنظمه لمجرد الفهم و التموضع النفعي 
Fe .. قطب يدل على السعي لتكوين بيئة إجتماعية صغيرة مترابطة و سعيدة 
Fi .. قطب يدل على السعي للتعايش مع البيئة الإجتماعية و تجنب الصراع 
Se .. قطب يدل سعي لفهم الواقع القريب المحيط لمجرد الفهم و التموضع
Si .. قطب يدل على سعي لفهم الواقع المحيط لخدمة القيم و الأهداف الداخلية 

مما سبق نستطيع أن نستنتج أن الشخصيات يمكن تمييزها عن طريق بضعة أسئلة و ملاحظات بسيطة ..

١- هل المركزية العملية للذات و قيمها مع الثقة في قدراتها ؟ أم هي للبيئة المحيطة و آثارها ؟ .. وبالتالي نعرف إن كان الشخص فاعل في المحيط أو متفاعل . 
٢- إذا كانت المركزية للذات فهل هذه الذات (متأنية) تقرأ الواقع على شكل نقاط مترابطة و متأثرة ؟ أم هي ذات (مخاطرة) تتعلم من أخطائها و تجاربها و العالم المحيط الذي تتفاعل معه؟ .. وبالتالي نعرف إن كان الشخص يقدم التأمل و المراقبة أم المعاينة و التجريب
٣- إذا كانت الشخصية متأنية فهل هي تشغل نفسها بالمجتمع الكبير و المخاطر البعيدة ؟ أم هي تحلل المجتمع المحيط و المخاطر القريبة فتخفق في تحليل الواقع السياسي الكبير ؟ 
٤- إن كانت الشخصية مخاطرة فهل هي تثق في العادات و الطرق التقليدية بشكل كبير ؟ أم هي شخصية تبتكر طريقة سيرها وهي سائرة ؟ 
٥- أما إن كانت المركزية للبيئة الخارجية و تأثيرها فالسؤال هنا .. هل البيئة المؤثرة في الذهن هي العالم الكبير بكل تعقيداته و جماله فيهتم العقل بمعرفته و التموضع فيه ؟ أم هو العالم الصغير و المحيط بكل أخباره و تفاصيله فيكون الإنسان فضولياً و مراقباً لمحيطه حتى يضمن لنفسه تموضعاً جيداً ؟





و أخيراً فإننا نستنتج النقاط التالية في موضوع الداخلية و الخارجية :

١- الداخلية في التلقي ( بغض النظر عن كون التلقي حسي أو حدسي ) .. الشخص الداخلي تكفيه القليل من المعلومات التي يستقيها بأحاسيسه إذ هو يستخدم النقاط و الإنطباعات الأساسية حتى يبني صورة متكاملة متناسقة مع الصور القديمة تهدف كلها للمحافظة على القيم و المبادئ و الأهداف التي كان الفرد قد أعدها مسبقاً .. لذلك فالشخص الداخلي في تلقيه أكثر تحليلية و ولذاته مركزية أكبر في الحكم و التأثير على الواقع لأنه أكثر.

٢- الداخلية في التأثير ( بغض النظر عن كون التأثير عاطفي إجتماعي أو عملي سياسي ) .. الشخص داخلي التأثير لا يشغل نفسه كثيراً بتغيير الواقع بل هو مستمتع به و بتفاصيله (إن كانت تفاصيل قريبة محيطة أو تفاصيل كبيرة معقدة ) يتفاعل معه حماية لنفسه و رغبة في الحفاظ على واقعه . 

 ٣- الخارجي في التلقي ( بغض النظر عن كون تلقيه حسي أو حدسي ) .. هو شخص يتعلم من تجربته و معاينته بشكل أكبر ، يحتاج لبيانات كثيرة حتى يصل إلى الصورة الكبيرة ، لذلك فإن ثباته المسبق في وجه التحديات الجديدة (مركزيته من الأحداث ) أقل نظراً لأنه يحتاج لتفاصيل أكثر حتى يتصور آثار مواقفه الحالية فيحكم و يتموضع بناء على ذلك .

٤- الخارجي في التأثير (  بغض النظر عن كون هذا التأثير سياسي كبير أو عاطفي إجتماعي ) .. هو شخص معني بالتأثير ويرى لنفسه مركزية أخلاقية و قيمية ، فإن كانت قيمه خائطة فإنه بحاجة للكثير من المناقشة و التأمل حتى يغير تمركزه و العكس ، هؤلاء الأشخاص يلمحون الواقع المحيط ولا يتبحرون فيه لأنهم معنيون بالعمل كثيراً.




تعليقي و انتقاداتي : 
١- التمييز الأفقي لهذه المحاور الوظيفية هو برأيي أقل واقعية و أكثر تعقيداً ، واقع الأمر أن تفاوت الناس من حيث الفاعلية العملية ، و التأملية ، و بيئة التفاعل ( السياسية في مقابل الإجتماعية )  هو في أصله تفاوت في القوة ، و إن كان لكل شخصية بتمايز نقاط ضعفها و قوتها فائدة لا تنكر في المجتمع . 
٢- التحليل لا يلتفت لمحور وظيفي مهم وهو محور ( الأنانية في مقابل التجرد ) ، و هذا المحور الذي هو في أساسة عصبية تتدرج في قدرتها على الإنعتاق من الذات لأجل الحق إذ ترتفع أو تهبط في سلم رقمي أعلاه طلب الحق المحض و أدناه طلب المصلحة الذاتية ، قد يتم إنكار هذا المحور أو محاولة إدراجه في المحاور السابقة لكن الحقيقة هي أنه محور أخلاقي يؤثر في شخصية الإنسان إلى حد كبير. 
٣- التحليل لا يتكلم عن أثر السن في شخصية الإنسان و قدرته على ممارسة الوظائف المذكورة 
٤- التحليل لا يتكلم عن أثر البيئة و الظروف الحياتية التي تمايز بين دوافع الناس حسب هرم ماسلوا للدوافع البشرية . 
٥- التحليل لا يتكلم عن أثر الصورة المسبقة للحياة ، و لا عن التصورات الإجتماعية المسبقة لماهية القيم و القوانين الصحيحة التي تؤدي للنتائج مطلوبة، فهذه وإن كانت غير أصيلة في خلقة الإنسان إلا أنها تبني نظرته للحياة و من ثم فإنها تؤثر على طريقة تفاعله . 

لأجل كل ذلك فإني سأحاول أن أعيد تقسيم الشخصيات شاملاً كل الظروف الزمانية (العمر) و المكانية (البيئة الإجتماعية و السياسية) و كل المحاور (محور التجرد) ، متجنباً التعقيد حتى تصبح لهذه النظرية أثراً عملياً أكبر في الحياة اليومية . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق