السبت، 9 يناير 2016

مستقبل العالم .. مركزية الشرق الأوسط (٣)



مستقبل العالم .. مركزية الشرق الأوسط (٣) 
( عندما تنتهي حالة الوفرة تنتهي معها حالة الإحتكار لتعود توازنات القوى كما كانت .. الحضارة التي تقع في المركز و تمتلك عمق الرسالة تظل في المركز ) 


ننتهي من هذا كله للقول بأن العالم متجه في العقود القادمة ( خلال الخمسين سنة القادمة ) إلى إعادة التحلل بعد البناء الهرمي ( غربي المركز ) في الماضي ، وهذا التحلل و التفكك و إن كانت تتزعمه مجموعة دول إلا أنه سيؤدي لقيام كيانات إمبراطورية ( أو أحلاف إمبراطورية ) و انهيار كيانات سياسية أخرى هشة تقع على خطوط الصدع بين هذه القوى الإمبراطورية ، و أسهل وسيلة تعرف بها المراكز القوية (الإمبراطورية) في العالم هي معرفة التقسيمات العرقية لسكان العالم ، و معرفة التقسيمات العقدية ، و معرفة الإمبراطوريات القديمة ؛ هذا كله يعني بأن هناك قوى تكون إمبراطورية متحدة كاملاً في كيان سياسي ، وأخرى قوى حضارية تبدأ في التشكل على شكل دول متحالفة و متصالحة ، لكنها متباينة ، و لأنه من الصعب الجزم بحجم الإندماج الذي سيحصل و حجم التفكك الذي سيحصل فإنه من الأفضل التركيز على المراكز و رسم صورة ضبابية تقريبية حولها .. 
( الحضارة المسيحية البيضاء ) 
١- أوروبا الغربية 
٢- أمريكا الشمالية 
٣- أوروبا الشرقية و روسيا 

( الحضارة المسيحية السمراء ) 
١- المكسيك 
٢- شمال أمريكا الجنوبية 
٣- جنوب أمريكا الجنوبية 

( الحضارة الشرقية ) 
١- الصين 
٢- اليابان 
٣- دول جنوب شرق آسيا (البوذية) 

( الهند ) 

( الحضارة الإسلامية ) 
١- في آسيا ( الدول الإسلامية في جنوبها يختلف عن شمالها ) 
٢- في الشرق الأوسط 
٣- المغرب العربي و إفريقيا
٤- إيران و شيعتها 


الحقيقة هي أن طريقة تصنيف الحضارة تختلف من منطقة لمنطقة ، فالعرق يكتسب أهمية تفوق الأهمية العقدية في المجتمعات الغربية ، لذلك فإن المجتمعات المسيحية قسمت إلى بيضاء (أوروبية) و غير بيضاء (لاتينية) ، بينما احتفظ العالم الإسلامي بتصنيف واحد ، إذ أن العرق وإن كان قد اكتسب أهمية إلا أن الهوية الإسلامية غالباً ما كانت تسبق الهوية العرقية في عموم العالم الإسلامي ، و مع أن هناك مراحل زمنية كانت العرقية القومية تلعب دوراً كبيراً إلا أن الحالة الطبيعية تقتضي تراجع هذا العامل في مقابل الهوية العقدية ، و إذا ما لاحظنا جغرافيا العالم الإسلامي و موارده  لاحظنا درجة الإعتماد المتبادل و الظروف المقربة ، ولا يستثنى بشكل واضح إلا الفرس ومن يتبعهم من أصحاب الطائفة الشيعية . 

  • عندما يزداد انتشار المال بين القوى فإن هذه القوى تصل إلى مرحلة من الحساسية تجاه فقدان المال ما يدفعها لبناء أسواق ضامنة للحركة المالية الدائمة فيها ، بمعنى أنها ستسعى لتكوين تحالفات إقتصادية تقطع الطريق على القوى الأخرى أن تستنزفها و تضعفها ، وهذا إما أن يؤدي لتمدد بعض الدول على حساب دول أخرى ، أو للتعاون و التكتل المتساوي في العلاقة ، و لأن هذه هي الحالة فإن الصراعات داخل المراكز الحضارية المختلفة تسبق الصراعات بين المراكز الحضارية الكبرى ، و لأن القوى الغربية كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في تنظيم نفسها فإن هذه الصراعات تكون قليلة جداً في هذه المنطقة ، وإنما تظهر صراعات داخلية بين طبقات المجتمع و أعراقه نتيجة لتراجع حجم الإقتصاد ، كما تظل العلاقات البينية بين هذه الدول الغربية مرتبطة إلى حد بعيد جداً جداً بالإقتصاد و المنفعة مما يعني عدم الترابط القوي أو التحارب العسكري . أما المناطق الأخرى فإن درجة الصراع تعتمد على توازن القوى في المنطقة ، مع درجة التوافق على المصالح والصورة المستقبلية للبناء السياسي و الإجتماعي و الديني . 
  • بعد انتشار المال و زيادة استقلالية الأطراف تواجهنا إشكالية أخرى وهي محدودية الموارد ، وخصوصاً الموارد القريبة التي نضمن وصولها و التي تساهم في إبقاء المال في حدود الإقليم الحضاري المطلوب . هذه الحالة تعني أن هناك أطراف ستكتسب أهمية أكبر في الفترة المقبلة فيما تتراجع أهمية أطراف قامت على أساس الوكالة و العلاقات الإستنزافية المصلحية التي لا تقدم خدمةً أو منتجاً ذا أهمية فعلية في الإقليم ، و لأننا استنتجنا محورية الدائرة الإقتصادية هذه في إبقاء العلاقات السياسية و تقويتها لضمان استقلالية المناطق الحضارية فإننا يجب أن ندرك أن تغير البنية و ازدياد حجمها يغير من الكفائة و الدقة و التركيبة الثقافية ككل . 
  • البنية السياسية للدول عندما تقوم على الإستقلالية فإنها تبني كياناً حضارياً مستقلاً فعلياً على الصعيد الثقافي و الإقتصادي كنتيجة منطقية لهذه الحركة السياسية ، هذا الموقف المختلف عن الموقف النفعي البحت الذي يسعى للحصول على المصالح المادية المجردة متجاهلاً أثر ذلك على حرية الكيان السياسي يزيد من قدرة الفرد على الإبداع و الإتقان و الإستبصار لعواقب الأمور و آثارها ، و بالتالي فإن العلم ينتشر و كذلك الإبتكار ، لكن علينا أن نميز بين الإبتكارات الذي قاربت بين أسواق العالم و عقوله فأوجدت لنا العولمة الحديثة بمواصلاتها و اتصالاتها و أدويتها و بين الإبتكارات الأكثر هامشية في المستقبل ، و التي ستشكل هويات متمايزة أكثر من أن تشكل تمايزاً جديداً في القوة .. كما رأينا أن الإستقلالية التي حظيت بها الدول الأوروبية القومية مع الصراع العسكري و الإنفتاح على الأسواق الكبيرة أدى لانفتاح العقول و زيادة الإنتاج المبدع ، فإن توفر هذه الحالة لنسبة أكبر من العالم ستنتج حالة مقاربة لعموم العالم . 
  • مع أن المحروقات ستقل بالتدريج لتقلل من حركة الناس و الإنتاج ، إلا أن العالم لن يعود إلى درجة الإنتاج و الحركة السابقة قبل الثورة الصناعية ، ولأن ذلك يساهم في تأثير القوى على جيرانها و نفي القوى البعيدة أن تتدخل أو حتى تجمع من القوة ما تفرض به هيمنة مطلقة فإن هناك بعض ساحات التمدد التي ستكون لمركز حضاري على حساب مركز آخر ، و هذه الساحات من السهل إستقراءها إذا ما رجعنا إلى الماضي .. برأيي أن الحضارة الإسلامية ستتمدد لتبتلع الهند و ما جاورها إلى حد بعيد ، كما أنها ستتحرك بشكل أكثر عمقاً في أفريقيا حتى ما تعود هذه القارة مسلمة كلها تقريباً ، وفي المقابل ستحتكر الصين الشرق كله كمنطقة نفوذ تجاري و ثقافي و عسكري كلي ، أما العالم المسيحي فإن تمدده يكون متوقفاً ، وكل ما تحرص عليه هذه القوى هو عدم خسران المزيد من القوة و التنسيق ، ولعل السبب الرئيسي الكامن وراء توقف النمو لدى الغرب هو مزيج من الإثنين ، الشك في الموروث الديني التبشيري ، كما هو البناء الإجتماعي الركيك الذي قضى على الأسرة ويحتاج لإثبات مركزية الرجل فيها مرة أخرى و بناء الدولة على أساس القتال و التضحية لا المتعة و الرفاهية ، و لأن الغرب حالياً مجتمعات مترفة كبيرة في السن فإنها لن ترغب في خوض حروب أو صراعات تمدد . 
  • أتصور العالم وضعه بعد استقرار هذه المراكز الحضارية ، حضارة مسيحية بشقين أبيض و لاتيني ( يشكل اللاتيني منطقة نفوذ للأبيض أكثر من كونه محرك قوي و متدخل في الصراع على القارة الكبيرة ( آسيا و أفريقيا و أوروبا ) ، و حضارة مسلمة تسيطر على جل آفريقيا مع الشرق الأوسط و آسيا الوسطى و جنوب آسيا كله تقريباً ، و حضارة شرقية تسيطر على الشرق كله (الصين) و تمتد جنوباً لتجعل من أستراليا منطقة تابعة لها أو متصارع عليها مع العالم الإسلامي ، هذه هي الحالة التي تسبق الحرب العالمية التي تكلم عنها النبي عليه الصلاة و السلام والتي تنتج عن تمدد الشرق على حساب حضارة الإسلامية و المسيحية نتيجة لكثرة التعداد السكاني و قلة المساحة الجغرافية بماوردها ، و انعزالية المنطقة عن النفوذ المرجو و الذي يحتمل أن يتطلع هذا المركز لممارسته ، لكن تجنباً لحرب عالمية يسمح لهذا المركز بالتمدد مسافة كبيرة حتى ما يجتمع عليه المركزين الأخريين و ينهيانه سريعاً على مقربة من الشرق الأوسط و أوروبا الشرقية ، و هنا تبقى هويتان اثنتان ، الغالب منهما يشكل النظرة الأخلاقية و العقدية للعالم أجمع دون تنافس ، فتثير المفاخرة بين الطرفين الصراع وهو الذي يقع معظمه في الشرق الأوسط و الذي يستنزف الطرفين لكنه هذه المرة يقضي على هيمنة المسيحية قضاءً نهائياً يجعل من الرسالة المحمدية رسالة عالمية وحيدة لدى عموم الناس و سائدة على جميع الرسالات الحضارية و مستخفة بجميع البنى و المفاخر التي تكون خارج الإسلام ، هذه الحالة التي تنطلق معها البقية الباقية في ضبط العواصم المستعصية لجعل هيمنة الرسالة السماوية حقيقة سياسية هي التي يخرج فيها المسيح الدجال و تظهر علامات الساعة الكبرى لتكون آخر إبتلاء للمسلمين ، ولتميز المؤمن من المنافق . 
  • الطريق باتجاه هذه الحالة هو الذي سيحصل في العقود القادمة .. الشرق الأوسط مركز الحضارة الإسلامية ، وهو تحت السيطرة الغربية و نفوذها ، ولكن النمو المتدرج لمراكز الحضارة الأخرى يستنزف المركز المركز الغربي ويدفعه بالتدريج للإنكفاء إلى الحد الذي تصبح فيه الصراعات المحلية في الشرق الأوسط محلية بالفعل دون تدخل أجنبي؛ هنا تسقط دولة إسرائيل ولا يؤخر سقوطها إلا دول محلية تخاف من البناء السياسي المرتقب في حال سقطت إسرائيل ، أي الدول المنتفعة من هذا التقسيم ، ولأن وجود إسرائيل محوري لضمان التفكك العربي السني فإن سقوطها سيغير موازين القوة في المنطقة ، لكنه لا يقضي على القوة الشيعية/الفارسية التي تعود لحالة البيات و التناغم المصلحي ، وهنا تبدأ مرحلة أخرى وهي مرحلة النمو الإقتصادي ، فيكثر المال و تزداد المصالح الإقتصادية عمقاً بين العرب السنة و الشيعة الفرس حتى تصل الحالة إلى تراجع مبادئ الدين و العقيدة في سبيل ضمان المصالح ، وقتها تكون الشام عاصمة العالم السني العربي فيما تكون العراق عاصمة التشيع الفارسي ، و بقدر ما تصل إليه الحالة من ترف و مجون تنتفع الدول من التسويق لدين يشرع الشرك و يصفه أنه من المذاهب الإسلام ، و يشرع الزنا و شرب الخمر و الغناء حتى تعود الحضارة العربية لتعبر عن نفسها بنفس الوسائل الأجنبية التي تعبر عن نفسها سائر الحضارات و تبرز في ذلك لحد كبير ، وهنا يحصل انفصام شديد بداخل المجتمع السني الذي يرى الترف مع الكفر يجتمع في طائفة بسيطة تحكمه ولا تمثله فيما هو يكدح ويبني المجتمع ، و مع ازدياد التباين في الحالة المادية يزداد التباين في الحياة الإجتماعية و المبادئ الثقافية العقدية ، وهنا يبدأ صراع جديد يسعى العالم السني فيه لتطهير نفسه للمرة الأخيرة من عصبياته الجاهلية و الشرك و التشريعات المحرمة التي أدت لهذا الظلم و التعدي الداخلي ، وفي هذه المرحلة تكون الحرب أكثر قوة إذ تتحد قيادات العالم السني المترفة مع عالم التشيع الفارسي لتهاجم كل بيت سني موحد يدعوا لإعادة بناء الدولة على سنة النبي ، فتصير مذبحة عظيمة تفرق العموم المسلمين في بادئ الأمر ، ويصير الشرق الأوسط دول متصارعة تصارعاً عنيفاً إلى أن تظهر شخصية تتسم بالمكانة الإجتماعية و العلم و التقوى ( والله أعلم إن كان هذا هو المهدي المعني ) ، هنا تهزم الجماعة الموحدة التقية بقايا الشكل السياسي القديم ، ويصير عموم الناس متحدون خلف إمام واحد يحكم بشريعة الله ، و تتعاون هذه القيادة الجديدة مع الغرب تعاوناً مصلحياً يقضي على التهديد الشرقي الذي صار يمس البلاد الإسلامية و المسيحية و يتمدد فيها سريعاً ، وبعد أن يقضي هذا التحالف على تلك القوة الشرقية المهددة فإنه يتفكك ليصير تحارباً على الزعامة العالمية ، وهذا هو الذي يقضي على بقية المنافقين و يزيد من استإثار رسالة التوحيد بالعالم فتبلغ الآفاق بعد أن تغلب جماعة المسلمين في المشرق العربي كل التحالف الغربي ، فتنتشر الرسالة و تسيطر هذه الحضارة و تصبح جيوشها و فكرها مسيطرة على العالم أجمع ، و هنا يظهر الدجال والله أعلم ليجمع حوله يهود فارس و كل من بقي في نفسه شيء من شك . 


إن معضلة الدولة الإقليمية العربية في أنها تحتاج لخلق هوية إثنية تفوق الهوية العقدية و العروبية التي تجمع الشعوب العربية لكي تحافظ على نسيجها بشكل متناغم و لكي تحافظ على مصالحها ، وإن كانت هذه الحالة تشكل تضايقاً بالنسبة لعموم الشعوب العربية التي تجد في تاريخها عصبية أقوى و أعظم من هذه العصبية الإقليمية إلا أن المصلحة عندما تكون ظاهرة فإنه من السهل إلى حد ما تجاهل تلك العصبيات الأخرى ، أما الدول التي لا تستطيع أن توفر لمجتمعاتها ما يغنيها وما يحميها ويرد لها هيبتها فإنها لا تتمتع بنظام داخلي قوي يحقق مصلحة العموم فتسهل فيها الثورات و الإنقلابات ، وهكذا كلما كان الفارق كبيراً بين الهوية القديمة و الحديثة كان الفارق هائلاً بين الواقع و المأمول مما يزيد الغليان الإجتماعي و السياسي، و كلما كان تاريخ الماضي متواضعاً و واقع الدولة مشرفاً كانت الإظطرابات الإجتماعية و السياسية أخف . هذا كله يعني أن دول الهلال الخصيب و مصر ستظل على الأغلب محل اقتتال و تخاصم حتى يتراجع نفوئ القوة الغربية في المنطقة و يزيد التعاون الإقتصادي و العسكري فيزول التسلط الحاصل من الحكومات العربية و تحقق الشعوب مصالحها و تصير لها سيادة حقيقية على مقدراتها كأمة ، ولكن لأن هذه الحالة تعني تغير الروابط الإقتصادية و الإتفاقات الأمنية تماماً فإن هذا الأمر يطول بطول العوامل التي تبقي العولمة و تبقي الميزان التجاري مائلاً ناحية الغرب و الشرق .

 يمر العالم بثلاثة مراحل على الأغلب قبل أن تحصل المواجهة المباشرة بين المراكز الحضارية : ١- فترة المصالح الفردية مع ازدياد العصبية الإقليمية (الدول المركز في المراكز الحضارية لا تقطع علاقاتها الإقتصادية الكبيرة فيما يزيد فيها التعصب لمنطقتها و تعاني الأطراف في هذه الظروف)  ٢- الإنكفاء على المراكز الحضارية و إعادة الترتيب (تصبح الكيانات الحضارية ككل تتاجر بتعقل دون أن يكون على حساب بعضها البعض)  ٣- التصارع بين المراكز على النفوذ.  و حقيقة الأمر أن هذه المراحل لا يمكن تحديدها بوضوح ولكن الذي يدفع لتمييزها هو الأثر السياسي و الفكري على المجتمعات ، ففي المرحلة الأولى تكون لكثير من الدول القوية مصالح من الحفاظ على علاقات تجارية عالمية مع دول مختلفة تماماً ذلك أن هذه العلاقت لم تزل مجدية إلى حد بعيد إقتصادياً أكثر من جدوى العلاقات القريبة مما يضر بالعصبيات العقدية و العرقية الحضارية في كل مركز فيتأخر ظهورها بقوة ، و بالتالي فإن هذه المرحلة هي مرحلة فيها شيء من التعصب مع الحفاظ على العلاقات التجارية العالمية ، وهي مرحلة فيها شيء من الأثرة مع الكثير من الصراعات في الدول الفقيرة و على أطراف المراكز الحضارية ؛ المرحلة التي تليها مرحلة انهيار المصالح الكبيرة بين الدول الكبيرة في المراكز الحضارية المختلفة ، و هذه المرحلة في الحقيقة مرحلة إنتقالية بين المرحلة الأولى و الثانية ، إذ تقل التبادلات التجارية بين المراكز و و تزيد بين المركز و الأطراف ، وهي بالتالي مرحلة تهدأ فيها الأطراف فيما يزيد فيها التمسك بالعادات و التقاليد و العقائد المميزة لكل حضارة ، كما تزيد فيها الفنون المميزة و الحرص على التمييز العرقي أيضاً ، لكنها في نفس الوقت مرحلة سلم و تصالح نظراً للإحساس بدرجة الدمار الممكن حصوله في حالة الحرب إذ الدول و الشعوب قد بينت موضعها و اصطفافها مما يعني أن التعدي على أي أرض خارجة عن الحدود الحضارية هو تعد على حرم حضارة أخرى مما يشعل حرباً عالمية ، و المرحلة الثالثة هي مرحلة التململ التي تؤدي لخروج أحد هذه المراكز الحضارية عن حدودها مما يؤدي لضبطها من قبل التحالف ، لكن ضبطها هذا لا يعيد الموازين بل يخل به فيحدث تصارع يغير النظام العالمي للأبد . 



السعودية و الشرق الأوسط في الخمسين سنة القادة .. كما ذكرت في التحليل السابق فإن السعودية و معها دول الخليج و تركيا ساعدتها ظروفها لكي تلعب دور المركز في في العالم الإسلامي ، وذلك أنها تملك نسيجاً أكثر تجانساً إلى حد بعيد من دول الأطراف ( هذا إن صحت تسمية منطق الهلال الخصيب بأنها طرف ! ، لكن واقع انكشافها على إيران و إسرائيل جعلها منطقة طرفية ) و لا يعد نموها مهدداً للمركز الحضاري الغربي بقدر ما يهددها نمو الهلال الخصيب و مصر ، لكن علينا التمييز بين نمو دول الخليج و تركيا ، فالأولى نموها متمم إلى حد بعيد لنمو الدول الغربية و الشرقية بينما نمو تركيا منافس ، وتلك هي الحالة بالنسبة للهلال الخصيب و مصر التي لا تفرق كثيراً عن تركيا إلا في موقعها الجغرافي و مواردها الزراعية و المائية ، ومن ثم فإن نمو المركز سيستمر متجاهلاً نمو الأطراف إلى حد ما رغبةً عن الدخول في صراع مع المركز الحضاري في الغرب ، إلى أن يضعف المركز الغربي و يتراجع فتقل المنافسة الإقليمية إذ يعود للمركز في الشرق الأوسط مكانة متقدمة فيستأثر ، ولكنه يظهر عقداً إجتماعياً جديداً بالتدريج يتجاهل إلى حد كبير الأسس الدينية الصارمة ليحافظ على المصلحة الإقتصادية و المركزية السياسية بالنسبة للدولة المركزية المتدمددة حديثاً ، و لكن هذا العقد الإجتماعي الجديد الذي يظهر بعد إنهيار إسرائيل و زوالها يحافظ على المصالح الإقتصادية مع الغرب و الشرق و يسعى لجمع الناس كلهم على أساس المصلحة فيشرع العقائد و يتجاهل المبادئ فتستفيد المنطقة خاصة و نظراً لأن لهذه المنطقة القدرة على السيطرة على المنافذ و الموارد فيغتني الناس غناً يفوق أطراف العالم الأخرى و يتملكون موارداً تفوق موارد الدول الأخرى و تقبل الفتن العقدية و يتم تناسي الصراعات السابقة ، ولعلها المرحلة التي تكون فيها دولة عربية تشمل الجزيرة العربية بالشام ، فإن تم هذا الأمر فإن هذه الحالة تستمر حتى يتوقف النمو و تزداد الطبقية و الإستعباد و الشركيات ، وهنا تحصل الثورات التي لا يتدخل فيها الغرب ليشعلها لكنها داخلية تكون قوية جداً لكثرة الموارد و النفوذ في المنطقة ، و عندما تنتهي و يخرج حاكم فإن نتيجة هذا الصراع يؤثر على العالم أجمع . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق