الوفاء عند المرأة و الرجل (٢)
ما العوامل المؤثرة على التزام الجنسين بالعلاقة الزوجية
تتحلى الأنثى بميزة و نقطة ضعف كبيرة ، الميزة هي أنها في فترة معينة تملك قيمة في سوق التزاوج لا يحلم بها معظم الرجال، و هذه القيمة تدركها الأنثى كما يدركها الذكر، لذلك تجد الميل الكبير لدى عموم الإناث لأن يظهروا مفاتنهمم خصوصاً في تلك المرحلة المبكرة التي تستطيع فيها الحصول على الكثير من التمييز لصالحها لمجرد كونها أنثى ضعيفة فاتنة !! لكن هذه الحالة لا تدوم طويلاً ، فالفتاة تفقد جل هذه المكانة و القوة بمجرد تجاوز السن ٣٥ ، و نظراً لكون عموم النساء لا يملكون من القدرات و الجرأة على المخاطرة ما يمكنهم من التسيد في مجال الإقتصاد و السياسة فإنهن يشعرن بتراجع قيمتهن بشكل كبير بعد ذلك العمر ، و تصير حالتهن النفسية هشه إلى حد كبير إذا هي لم تبني عائلة تتعصب لها و تستنزف نفسها لها (أي العائلة تستنزف نفسها لهذه المرأة).
الرجال عموماً ( لا ننظر لمن تميز منهم و صار مطلباً للفتيات ) لا ترتفع قيمتهم بشكل كبير في سوق الزواج، لكن القدرة على الإنتاج و استقراء المستقبل و الإستقرار النفسي و الجسدي مع تقدم السن يشعر المرأة بالأمان إن قرر هذا الرجل تسخير نفسه وموارده لهذه المرأة و أولادها ، لذلك فإن الرجل يعد تأميناً ضرورياً بالنسبة للمرأة ، فيما تعد المرأة بإضافتها رفاهية جميلة يتمناها الرجل (أنها تبقي أثره بالإنجاب له و تربية أطفاله على ما يحب).
لذلك نسمع العبارة الغربية الشهرة
Women are the gate keepers of sex, men are the gate keeper of commitment
وهي عبارة مفهومة إن أنت أدركت نقاط قوة الجنسين ، فالمرأة ذات القيمة الجنسية الأعلى هي التي تقرر من يحظى بجسدها ، أما الرجل صاحب القيمة الإقتصادية و الأمنية الأعلى هو الذي يقرر من يحصل على ناتج تعبه و هلكته.
و هنا نعود إلى سؤالنا ، هل صحيح أن النساء أكثر وفاءً من الرجال ؟ و لماذا كانت للرجال صلاحيات في الشريعة الإسلامية تفوق صلاحيات النساء إن كان ذلك صحيحاً ؟
مما سبق وصلنا إلى النقاط التالية :
١- أن قيمة المرأة أكثر تذبذباً ( من القيمة العالية جداً إلى المنخفضة جداً ).
٢- أن إضافة الرجل ضرورية بينما إضافة المرأة رفاهية ( أي أن النساء بدون الرجال يهلكون، في حين أن الرجال بدون النساء ينقطع نسلهم و يندثر أثرهم ).
٣- أن إضافة الرجل تحتاج لتنافس عام في السوق يكون فيه نجاح كل رجل على حساب الآخر إلى حد ما ، في حين أن ما تقدمه المرأة لا يخضع للمنافسة ( بمعنى أن كل النساء تقريباً قادرات على تقديم نفس الإضافة ، و أن الكسل و الإمتناع الفردي هو الحائل الأساسي ).
علينا أن ندرك مما سبق أن موقف المرأة في النسيج الإجتماعي موقف حرج، نظراً لكون الإضافة التي تقدمها إضافة غير ضرورية من حيث الأمن و المعيشة للناس عموماً و الزوج خصوصاً، و بالتالي فإنها تتحرك من موقف ضعيف أساساً، فالإضافة التي تقدمها إضافة بعيدة المدى تدل على قيمة مطلوبة و عصبية إجتماعية غالبة، بدون هذه القيم الإجتماعية الخالدة و العصبية السياسية الجماعية فإن الرجال عموماً لا يحرصون على النسل ، و عدم حرصهم عليه إذ هم يفقدون النظرة المستقبلية الحالمة و الإستعداد للتضحية من أجل ذلك يجعل الزواج تجارة خاسرة ، و إستثماراً غير مرغوب ولا مفهوم أساساً.
الزواج التزام و الإلتزام حالة طارئة على النفس البشرية لا يقدم عليها غريزياً إلا شخصية ضعيفة تسعى لحماية نفسها من خطر الوحدة . و لأن الرجل لا يجد في الزواج نفعاً مادياً قريب فإنه لا يقدم عليه من تلقاء نفسه ، بل يحتاج لكيان إجتماعي صلب يفرض عليه الإلتزام بتقديم نفسه للكلة نظير الحصول على المتعة و الأثر الإجتماعي البعيد ، و لأن هذا المردود لا يعد مردوداً مغرياً بالنسبة للرجال عموماً فإن التشريع يفترض به أن يحابي الرجال حتى يشعر المتقدم بجدوى الإستثمار.
الوفاء خلق وليس غريزة، ولأن الناس ليس من طبعهم الإلتزام بما قد يؤدي لهلكتهم فإن المندفع للإلتزام غالباً ما تجد في التزامه منفعة مادية و مصلحة ( و إن كانت خافية عليك )، و نظراً لكون التزام الرجل بالعلاقة يعرضه لخطر أكبر على مدى أطول فإن الزواج يعد غبناً واضحاً للذكر، و حرصه على التخلص من التزاماته لا يدل على تدني مستواه الخلقي و إنما يدل على رغبته في الحصول على عقد أكثر إنصافاً في الغالب.
الإسلام حلل التعدد لهذا السبب و سلم القوامة للرجل لهذا السبب و جعله محتكراً لسلطة الطلاق لهذا السبب، فهو سعى لتعويض الرجل عن فارق الإضافة بتمليك الرجل زوجته و أولاده. و لأن هذا التشريع إعتراف ضمني بعلو قيمة الرجل و ما يقدمه على حساب حساب ما تقدمه الزوجة فإن أكثر النساء تميل للإعتراض عليه و إن كان بطرق ملتوية.
يقول الطبيب و الفيلسوف بريفولت عبارة أصبحت مشهورة فيما بعد هي :
( المرأة وليس الرجل من يقرر كل ظروف العائلة الحياونية )
و قد زاد آخر على هذه العبارة ثلاثة نقاط يفترض بها أن تكون توضيحاً :
١- الخدمات التي قدمها الذكر للأنثى في السابق لا تؤدي لاستمرار العلاقة أو حصولها في المستقبل.
٢- أي عقد يحصل فيه الذكر على وعد بإقامة علاقة مستقبلية نظير تقديمه لخدمة آنية هو عقد باطل و منته عند الإنتهاء من تقديم الخدمة.
٣- الوعد بخدمات مستقبلية من قبل الذكر لها أثر محدود على العلاقة الحالية أو المستقبلية، هذا الأثر يقل كلما كان الوعد بعيداً في المستقبل و يزيد كلما كانت ثقة الأنثى في الذكر كبيرة.
الحقيقة أن عبارة بريفولت و النقاط المذكورة أيضاً لها وجه من الصحة ، فالمرأة تحدد ظروف العائلة الحياونية بتقريرها ماهية الخصال و الخدمات التي ترضا بها و تقبل بمبادلة الطرف الآخر بها نظراً لكونها غالباً تأتي من قيمة تزاوج أعلى. كما أن المرأة من خلال النقاط الثلاثة السابقة تعتبر أن هذه الخدمات المقدمة إلتزامات دائمة لا يمكن إستخدامها كدين أو وعود مستقبلية نظراً لكون الأمان و المكانة الإجتماعية المقدمة هي المطلوب و ليست الخدمات المحددة في ذاتها منفصلة ، ذلك أن هذه الطريقة في المقايضة ترفع من قيمة المرأة إذ يلتزم الرجل فيها بتقديم خدماته بشكل الدائم بغض النظر عن تقلبات العلاقة و ما يمكن أن يصيب الزوجة ( المقايضة العينية المحددة على الطرف الآخر تنقص من قيمة المرأة و تعطي الإنطباع بأن هذه الأنثى تبيع نفسها ). و نظراً لزن هذه الطريقة توقع من الغرر على الرجل أكثر مما يقع على المرأة، فإن التشريع يجب أن يضمن للرجل وسيلة يحصل من خلالها على حاجته دون أن يترك الأنثى الأولى للهلاك.
الخطأ الذي وقع فيه بريفولت هو في كونه غير مدرك لكون المرأة لا تملك من الخيارات الشيء الكثير حتى تحدد جميع ظروف العائلة، ففي نهاية المطاف النساء في المجتمع محصورون بالرجال في نفس المجتمع ( أحياناً ينكشفن على رجال من خارج المجتمع فتتغير الديناميكية )، و بالتالي فإن الأغنياء من الرجال بما يقدمونه لأزواجهم من بيئة جميلة و آمنة يحددون لبقية النساء ما هي البيئة المثالية التي تتطلع إليها المرأة ، و ما هي الأمور التي لا يمكن أن تتنازل عنها. فالمرأة لكونها تحتكر الإنجاب و تمتلك أكثر الأمور فتنة للرجل تستطيع أن تملي شروطها، لكنها تفعل ذلك إلى حد معين يضمن لها مصلحتها، إذ أن كثرة المطالب و استنزاف الخطاب دون مردود كبير يؤدي لنتيجة عكسية تجبرها على التعامل مع الواقع.
الخلاصة .. الزواج بالنسبة للرجل إستثمار طويل المدى يبني به الرجل مملكته الخاصة التي يخلد بها ذكره و يشبع بها غريزته و يؤكد استقلاله عن بقية المجتمع، بينما يعد الزواج بالنسبة للمرأة عموماً حاجة وسيلة تحتمي بها من الإعتداء الخارجي و الندرة المادية كما تسعى بالإنجاب لبناء مجتمع ضغير مترابط يزيدها قوة و احتماء و قيمة مع تقادم الزمن. لذلك فإن التزام المرأة بالعلاقة الزوجية غريزة و موقف منطقي أساسه المصلحة الذاتية، أما التزام الرجل فهو استثمار طموح في مستقبل قد لا يعيشه يجده حاضراً تسليم زوجته نفسها له و حرصها على توريث صفاته و مبادئه لأبنائه.
الأسرة و الإلتزام كما هو ملاحظ ليس طبيعة غريزية في البشر كما هي الحال عند الطيور، فالبشر بدون المبادئ و العقيدة و الإكراه القانوني و الإجماعي لا يتزوجون بل يستغلون بعضهم البعض ( كل طرف إن أمكنه الحصول على ما يحتاج إليه من الطرف الآخر دون الإلتزام تجاهه فرن غريزته تدفعه إلى عدم الإلتزام )، لهذا فإن كلام الناس في المجتمع و القوانين السياسية تهدف غالباً لفرض الإلتزام على الناس، كما أن الدين يقوم بدور مهم في الإرتقاء برغبات الناس حتى يتجاوزوا هذه الحالة من التدمير الذاتي . فكما ذكرت في مقال سابق أن التزاوج في عالم الإنسان أشبه ما يكون بطريقة التزاوج عند الحيوانات المفترسة ( التي يحصل فيها الذكر القوي على النساء و الأرض بقدر قوته ، وهو بامتلاكه لهم يفرض نفسه عليهم و يتحمل مسؤوليتهم ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق