الوفاء عند المرأة و الرجل (١)
ما العوامل المؤثرة على التزام الجنسين بالعلاقة الزوجية
قبل مدة دخلت في نقاش مع جماعة من الناس عن موضوع الوفاء بين الجنسين، كان الرأي العام السائد أن الرجال أقل وفاءً من النساء، و أن هذا أمر ملاحظ ولا يحتاج إلى إثبات، و بالتالي فإن المجتمع مدين جداً للمرأة التي تقرر التنازل و البقاء مداومة الإهتمام مع زوج إنصرف بذهنه أو قرر أن يتزوج بأخرى.
الرأي هذا سائد ولا يمكن قصره على تلك الجماعة التي ناقشتها ، مع أن التشريع الإسلامي لا يتفق معه !! إذ لو كانت هذه حقيقة لوهبت المرأة سلطة الطلاق و حرمها الرجل ! كما أن النبي عليه الصلاة و السلام و الأنبياء من قبله و الصحابة من بعده كانوا معددين و لم تعد هذه الخصلة طعنة فيهم و تقليلاً من وفائهم ! و أخيراً فإن تسليم الرجل القوامة و إلزام المرأة بطاعة زوجها يتناقض مع هذا الإستنتاج ! إذ أن الشخص الأكثر إلتزاماً و شعوراً بالمسؤولية تجاه الآخرين في العائلة هو الذي يحق له أن يأخذ القرارات نظراً لكون الصلاحية قرينة المسؤولية !! فلماذا يرتبط الوفاء بالمرأة عند الناس ؟ وهل هذا الإرتباط صحيح ؟ و إن كان صحيحاً فلماذا كان التشريع الإسلامي مناقض له ؟
تكمن المشكلة في النظرة الخاطئة للجنسين و لما يقدمه كل منهما في هذه العلاقة، إذ أن الوفاء ليس التزاماً جنسياً بالضرورة ، بل التزام أخلاقي ( غير غريزي ) بأداء الإلتزامات التي كان كل طرف قد أقر بتحملها عند بداية العلاقة مهما طرأ على العلاقة من حوادث تضعف من قدرة الطرف الآخر على الأداء ( أي أنه إلتزام يصعب تحديد تكلفته و مدته ، و من هذه الهلكة و النكران لرغبات الذات تكتسب هذه الصفة قيمتها ) . و لأن الطرفان يختلفان في نوع المسؤولية و الإلتزامات التي يتحملانها فإن الوفاء يفترض به أن يقاس بطريقة مختلفة عند كل جنس .
و حتى نحلل موضوع الوفاء و نميز بين الجنسين فإننا بحاجة لتحديد الإضافة التي يقدمها كل من الجنسين و مضمون المقايضة الجارية بينهما .. فما هي هذه الإضافة ؟
١- الرجل .. نظراً لامتلاك الرجل ميزة في قدراته الذهنية و الجسدية و النفسية فإن عمله ينتج فائضاً مادياً يزيد عن حاجته و يتمكن به من تهيئة بيئة آمنة لغيره.
٢- المرأة ..المرأة على الطرف الآخر نظراً لضعفها الجسدي و الذهني و النفسي تواجه عجزاً في قدرتها الإنتاجية بينما هي تحتكر القدرة الإنجابية و تتميز بقدرة على الرعاية و التعاطف في البيئة الإجتماعية الصغيرة لا يتقنها الرجل.
هذا هو الأساس الحياوني الغريزي للعلاقة الزوجية، أما المعان الأخرى فهي معان أخلاقية أو دينية طارئة تأتي نتيجة تربية و تعليم، لا نتيجة انجذاب غريزي و متعة طبيعية. هذه الأمور و إن كان لها أهميتها في مجتمعاتنا البشرية المركبة إلا أنها لا تفيدنا كثيراً في تفسير الظواهر الإجتماعية التي بنى عليها الناس هذا الإستنتاج القائل بأن (( المرأة أكثر وفاء من الرجل )).
ملحوظة أخرى .. قد يشترك الجنسان في بعض الهموم و الصفات التي تزيد من ترابطهما و التزامهما تجاه بعضهما البعض ، كالعقيدة المشتركة في مكان غريب و الحالة المادية السيئة في بيئة غنية و العرق المختلف في بيئة عنصرية، كل هذه الأمور تساعد الأطراف على الإلتحام نظراً لاستشعار الهلكة المشتركة ، لكنها لا تميز أياً من الطرفين. و بطبيعة الحال هناك جانب آخر يؤثر على التزام الطرفين بهذه العلاقة وهو الضغط الإجتماعي . الخوف من الإقصاء الإجتماعي و سوء السمعة و التدني في سلم المجتمع نتيجة للتصرفات الأنانية في العلاقة الزوجية تعمل على كبح الغرائز الأنانية إلى حد ما و تساهم في حفظ العائلة من التفكك.
كل هذه العوامل الخارجية و الطارئة مفهومة، لكنها ليست مثار التساؤل ولا موضوع المقال، ذلك أن التشريع الإسلامي ميز الذكر عن الأنثى لكونه ذكر ، و لم يميزه لتدينه أو لوجود عوامل خارجية طارئة تضغط عليه، فما الذين يميز الذكر ؟ و لماذا عدت الأنثى عموماً في العقل العام أكثر وفاءً و رحمة من الذكر ؟
هناك مجالان يتميز فيهما الجنسان عن بعضهما البعض :
١- قيمة الفرد في سوق التزاوج (المستمدة من الإضافة التي يقدمها).
٢- بيئة عمل الجنسين (التي تتبين بها قيمة إضافته).
قيمة الفرد في سوق الزواج و البيئة التي تتبين بها هذه القيمة :
نوع الإضافة التي يأتي بها كل طرف إلى الطاولة تجعل معايير التقييم مختلفة ، فالفتاة الصغيرة قليلة التجربة كثيرة الحياء فاتنة الجسد ( ملامحها دالة على الخصوبة و الضعف كالصدرين الممتلئين و الحوض الواسع و المناكب الضيقة و الوجه الطفولي ) تملك من القيمة في سوق التزاوج ما يعجز معظم الرجال عن بلوغه. و مع أن هذه الفتاة لا تبذل شيئاً يذكر لتصل إلى هذه الحالة إلا أنها بمجرد محافظتها على نفسها و امتلاكها لدلائل الخصب الجسدية و ملامح الضعف التي توهم الرجل بقدرته على التحكم فإنها تصير في موضع عالي يسمح لها بالإنتقاء و التخير من مجموعة كبيرة من الرجال .
أما الذكر على الطرف الآخر فإنه قليل القيمة في جسده، إذ أنه لا ينجب ولا يرضع ، كما أن طاقته الإنتاجية رهينة التمرين و الخبرة، لذلك فإن خصال الرجل الجسدية التي تلفت نظر المرأة هي في غالبها خصال مكتسبة وليست كامنة ( الجسد العضلي و اللياقة العالية ) كما أن الخصال غير الجسدية لها دور أهم في لفت نظر المرأة، كالغنا المادي و الوظيفة العالية و الوجاهة الإجتماعية و التفوق العلمي و العقلي، كل هذه الخصال هي خصال مكتسبة تتطلب جرأة و صقلاً و منافسة ، فإذا تميز الرجل عين أقرانه إنتقل في عيون الإناث عموماً من الذكورة إلى الرجولة ( إذ الرجولة قرينة التميز الفردي ، و ليست خصالاً و عادات يمكن تصنعها )، وهذه الحالة هي الحالة المطلوبة لدى الإناث إذ أن في استنزاف هذا الرجل و استهلاكه لصالح الأنثى الطالبة قيمة فعلية تجنى.
باختصار :
١- الخصال المميزة للأنثى خصال خَلْقية في الغالب و غير مكتسبة.
٢- الخصال المميزة للرجل خصال مكتسبة و غير خَلْقية.
٣- الخصال المميزة للرجل تتطلب تمييزاً حقيقياً له عن أقرانه.
٤- الخصال المميزة للأنثى لا تحتاج لتمييز أو مقارنة مع بقية الإناث.
النقاط السابقة تقودنا للتالي :
١- قيمة الأنثى تكون في ذروتها في أواخر العقد الثاني و أوائل العقد الثالث من العمر.
٢- قيمة الأنثى (أي قدرتها على دفع الناس ليقوموا بخدمتها دون مقابل) في هذه المرحلة تكون عالية جداً بالمقارنة مع عموم الرجال.
٣- هذه القيمة تقل بالتدريج حتى تصل إلى درجة قريبة من الصفر أواخر العقد الخامس من العمر.
٤- عمل المرأة و كسبها و قوتها العقلية و الجسدية تقلل من قيمتها الجنسية نظراً لأن المرأة تجعل من نفسها صعبة الإمتلاك و الإستثمار ( أي أنها تتحول من أرض تستثمر إلى كيان منافس ).
٥- قيمة الرجل الجنسية تتناسب طردياً مع تميزه و قوته الجسدية و النفسية و العقلية و المادية ، و بالتالي فإن قيمته الجنسية تزداد بالتدريج مع العمر حتى تصل إلى مداها في أواخر العقد الرابع و أوائل العقد الخامس.
٦- متوسط قيمة الرجال عندما يصلون لأفضل سن لهم (أواخر العقد الرابع) أقل من متوسط قيمة النساء في أوائل العقد الثالث من العمر، نظراً لكون قيمة الرجل مستمدة من تميزه و الرجال لا يستطيعون أن يتميزون كلهم إذ أن ذلك ينقض مفهوم التميز أساساً.
٧- القيمة الجنسية و القوة الإجتماعية للرجال الذين يتميزون عن أقرانهم تتفوق على قيمة النساء جميعهم وهم في أوائل العقد الثالث من العمر.
٨- قيمة الرجال الجنسية و قوتهم الإجتماعي لا تقارب الصفر عموماً كما يحصل مع الإناث عند سن اليأس (كما أن القيمة الجنسية للرجال لم ترتفع كثيراً كما ارتفعت عند إناث)، لذلك فإن الرجال في مجال القيمة الجنسية يعدون أكثر إستقراراً و دواماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق