الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

المنطق الأنثوي في التعالي




المنطق الأنثوي في التعالي 
عندما يسعى الكائن الملائكي اللطيف للتعالي .. ماذا يفعل ؟ 

هذه خاطرة أكثر منها مقال، وقفة تأملية و نظرة شمولية لطريقة تصرف النساء في أي مجتمع، كما أنها نظرة تحليلية للفلسفة الأخلاقية التي تضعها النساء عموماً و تنطلق منها غريزياً في تعاملها مع ظروفها الإقتصادية و الإجتماعية التي تحيط بها، هذه الخاطرة لا تلتفت كثيراً للمؤثرات التربوية و الدينية ولكنها تلتفت للغرائز و المنطق الغريزي فعلى القارئ أن يلغي هذه النقطة قبل أن يتعمق في المقال. 

“المرأة هي موضوع الحب و الحب وسيلتها للإرتقاء في المجتمع و الإرتقاء هدف لدى كل المخلوقات”

الحب يفترض به أن يكون حالة عفوية طارئة من الشعور بنكران الذات و الإستعداد لإهلاك النفس من أجل المحبوب، و نظراً لكون التضحية حالة طارئة عند البشر عموماً فإن الحب يعد حالة طارئة أيضاً تستحث الإنسان لأن يعمل ما لا يتوقع منه أن يعمل عادةً، لكن الحب ذاته يختلف بحسب الطرفين كم هو الحب بين الجنسين و حب الشخص لذريتة و أهله و حب الشخص لأجداده الذين سبقوه ؟ 

لكن لماذا أتكلم عن هذا الموضوع أساساً ؟ .. أتكلم فيه لأني قبل يومين لفت نظري موقف لعائلة غير سعودية كانت خارجة للغداء في مطعم غالي نسبياً، لم يصدر من العائلة أي شي خارج عن المألوف غير أن هذه العائلة الصغيرة وهي خارجة للغداء مع عائلة أخرى يظهر أنها من نفس الجنسية كانت تتفاعل بطريقة تختلف عن الطريقة الإعتيادية الظاهرة عند العائلات السعودية و التي يظهر فيها الرجل بجلاء ممسك بالسلطة و القرار العائلي وأفراد الأسرة كلهم ينتهون عنده، هذه العائلة كما هي عائلات عربية أخرى كثيرة تتشارك فيها المرأة السلطة مع الرجل إلى حد ظاهر كانت فيها الزوجة بأنوثتها وجمال خلقتها تأمر وتستعرض جمالها ومكانتها بشكل كان يبدو لي مستهجناً، و لأن هذا الأمر صار يغزوا المجتمع السعودي كما يبدو فإني بدأت أتساءل عن الأسباب التي تجعل الرجل يرضا بمشاركة صلاحياته شخصاً آخر لا يبدوا أنه يضيف مادياً للعلاقة ما يضيفه الأول ولا حتى ينشغل بالإنجاب و التربية كما كان معتاداً في السابق ؟!! فما الذي جعل المرأة تمتلك كل هذه القوة و تجد لنفسها مهابة في قلب الرجل تفرض من خلالها كثيراً من قراراتها و رأيها و تجبره على أن يتنازل و يتعايش مع تلك المواقف ؟!  

عودة لموضوع الحب .. حب الإنسان لأبناءه تتجلى فيه أكثر درجات التضحية، نظراً لكون الإنسان بطبيعته يشعر بامتداد حياته في حياة هؤلاء الأبناء، فيقوم لا شعورياً بالتصرف وفق مصالحهم، فيطمح نيابة عنهم و يخاف نيابة عنهم و يتشارك معهم لحظات الفرح و الحزن دون أن يجد في ذلك كلفة كبيرة، ومع أن هذه المواقف تدل على الحب إلا أنها لا تتطابق بالتمام مع الحب الذي يطلقه الناس على علاقة الإنسان بأهله و أجداده، ذلك أن الآباء تعد حياتهم قد انقطعت أو قصر امتدادها، والإنشغال كما نعلم بما قد انقطع لا يكون عادة كالإنشغال بما هو قائم و ممتد إلا عند اليائسين من المستقبل المتعصبين الفرحين بما قد صار، لذلك فإن حب الوالدين و الإنشغال بهما يتطلب تربية و مجاهدة بعكس الذرية التي يعد حبها غريزة، أما حب الأهل من إخوة و أعمام و أقارب فإنهم عصبية تقترن محبتهم كثيراً بمقدار الفخر و المصلحة التي يجلبونها أو على أقل تقدير المشاركة التي تظفي على الحياة سعادة و فرح لا يتحقق إلا بمشاركة الناس. ومع أن درجات الحب و التعلق القلبي تختلف عند الحديث عن الأبناء و الأهل إلا أنها كلها يمكن أن تجمع في سياق واحد وهي العصبية الواحدة والهوية الواحدة التي تكونها هذه العائلة و تسعى لإبقائها و إحيائها عبر الزمن. أما حب المرأة على الطرف الآخر فهو مبني على أساس يختلف إلى حد كبير عن الأساس الذي بني عليه حب الأهل و الذرية كما ذكرنا، فالحب هنا بين الجنسين مبني أساساً على الإعتماد المتبادل و هذه النقطة غريزية جداً تتعدى في مركزيتها و أولويتها أياً من النقاط الأخرى المعدودة عند الجنسين وقت الزاوج، لكن السؤال هنا يجب أن يكون عن الإضافة التي يقدمها الجنسان و التي سيؤثر حجمها على تراتبية العلاقة بين الزوجين ؟

 إحتكار المرأة للإنجاب و تفاوت النساء في دلالات الخصوبة الجسدية يجعلهن متفاوتات في قيمتهن التزاوجية "أي في سوق الزاوج" و من ثم في قيمتهن الإجتماعية، وهذه نقطة أساسية إذ أن القيمة التزاوجية للمرأة تجلب القيمة الإجتماعية بعكس الرجل الذي يحتاج لتكوين قيمة إجتماعية يتمكن من خلالها من الحصول على قيمة تزاوجية، بمعنى آخر قدرة الرجل علي إنتاج فائض مادي يزيد عن حاجته وقدرته على استعمال رجال آخرين و تسخيرهم لإنتاج فائض و بناء أثر يخلد من بعده تجعله متمايزاً عن سائر الرجال مما يكسبه قيمة إجتماعية يتحصل من خلالها على قيمة تزاوجية "أي في سوق الزاوج". هذا التزاوج بين الجمال "دلائل الأنوثة و الخصوبة" و النفوذ "النفوذ الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي في البلد" هو الدافع لتقارب الجنسين و تزاوجهما، وهو موقف غريزي إلى حد بعيد مستمد من المنفعة الجسدية المباشرة التي يحصل عليها الفرد والتي تختلف عن تلك المنفعة المستجلبة من التأكيد على علاقات القرابة، فالبشر و إن كانوا في كل حالات الحب المذكورة سابقاً يتصرفون بأنانية و مصلحة فردية إلا أن الأنانية تتفاوت بحسب العلاقة التي نتحدث عنها، فعلاقة الحب بين الجنسين هي أكثر حالات الحب أنانية سواءً أدرك المتحابون ذلك أم لم يدركوه، و نظراً لكون الجنسين ينطلقان من منطلق الإعتماد المتبادل فإن اجتماعهما يدفعهما للتصرف بمنطق المصلحة المشتركة بعد الإتحاد فيستخدمان وسائل الغلبة هذه لتأكيد مكانتهما و علويتهما، أي أن الرجل يستخدم علاقاته الإجتماعية و أملاكه و أمواله لتأكيد نفوذه و سلطته و مكانته و المرأة تستخدم مظهرها و دلالات أنوثتها و جمالها و نعومتها لتظهر تفوقها و تعاليها على محيطها أيضاً، وهكذا تجدهما يفعلان ذلك و يتحركان بطريقة متجانسة لرفع إسم العائلة و يورثان هذا النهج للأبنائهما فيستخدمان جمال البنت للتعالي على الغير كما يورث الوالد لولده تجارته و يقربه من زملاءه. 

 عودة للموقف المذكور سابقاً .. العلاقة الزوجية كما يبدو علاقة تطبعها حالة من التجاذب و التنازع لا يخف إلا بمقدار تقوى الزوجين و طمعهم فيما عند الله كما هي أي علاقة بشرية، و لأن هذه هي حالة البشر عموماً فليس من الغريب أن تتصرف المرأة على نفس المنوال مستغلة إضافتها المادية و الإجتماعية للحصول على أكبر قدر ممكن من مطامعها و رغباتها في هذه العلاقة، و لأن السيادة و الصلاحيات مطمع عام عند البشر ( النساء و الرجال سواسية ) فإن الذي يشعر بأن إضافته في العلاقة أكبر سيطلب من الصلاحيات أكثر مما هو مستعد لأن يتنازل عنه للآخر، و لذلك فإن سيادة الرجل أو قوامته لا تتحقق في كثير من الأحيان إلا بغلبته للأنثى، و غلبته للأنثى لا تتحقق إلا إن كان مصدر دخلها الوحيد أو الأساسي أو كان قد حقق غلبة كبيرة في المجتمع المحيط بها أو كان المجتمع بالعموم معين له على فرض سيادته عليها، وهذا كله قد لا يكون حاصلاً في هذه العلاقة التي رأيت علاماتها الخارجية. 

 لكن ما الذي قد يبرر دعم المجتمع للرجل في فرض سيطرته على زوجته ؟؟ 

  يقول الله تعالى في سورة المؤمنون : ( ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما  يصفون ) .. هذه الآية فيها دلالة عميقة و قاعدة تستنبط تفرق بين السنن التي تحكم المخلوقات المحدودة و منطق اللا المحدود الذي يتلازم مع وجود الخالق سبحانه، فمحدودية الكائنات الزمانية و المكانية تعني بالضرورة حداثتها في الوجود "أي أنها شيء طارئ"، و لأن هذه هي حال المخلوقات فإنها ستسعى غريزياً للإحتماء و التعالي كوسيلة للبقاء و تجاوز حدود المكان و الزمان الذي تجد نفسها محصورة فيه، هذه الحالة من طلب التعالي لا تنطبق على البشر فحسب و إنما تنطبق على جميع المخلوقات دون استثناء، ولا يمنع جمود الجمادات و بطؤ حركة النباتات من الوصول لهذا الإستنتاج فالمخلوقات تختلف بحسب امتلاكها للروح و درجة العقل و الحرية التي أعطاها الله لها. فإن نحن وصلنا لهذه النتيجة و وضعناها كقاعدة فإننا سننطلق من منطلق أن التعالي مطلب بشري عام، لكن هذه الطبيعة تختلف في نتائجها وأثرها الإجتماعي إذ أن طريقة الحصول على تلك المكانة الرفيعة تختلف بين الجنسين وكذلك حدود الترفع الذي يسمح به المجتمع، لذلك فإن الموضوع يظل موضوعاً قابلاً للإختلاف يمكن أن تبنى حوله مبادئ و مواقف إجتماعية و قوانين، ولذلك فإننا نهتم لمعرفة كيفية تعالي المرأة و اختلاف أسلوبها عن أسلوب الرجل و مآلاته. 

يستخدم كلاً من الجنسين المزايا التي يملكها للتعالي على الآخر و للتمايز بين أقرانه، و لأن هذه هي الحالة فإن المرأة تختلف اختلافاً كبيراً في طريقة تمايزها مما يؤثر على المجتمع إن هو اتبع نفس النسق و الأسلوب في التمايز، فدلائل الخصوبة و الضعف عند المرأة تميزها و ترفع مكانتها الإجتماعية تبعاً لعلو قيمتها الجنسية، و هذه الحقيقة تجعل المجتمع أحياناً يستخدم نساءه كوسيلة للترفع و التعالي إن هو وجد في نساءه جمالاً و فتنةً يستطيع بها أن يلفت أنظار الآخرين، و بطبيعة الحال فإن هذه الوسيلة تزيد من قيمة المرأة إلى أن تجعلها مهيمنة على محيطها نظراً للقيمة المضافة التي أتت بها، ولذلك تجد المرأة في هذه الحالة متطلبة و متأمرة تتوقع من محيطها الكثير تبعاً للقيمة التي تراها لنفسها، ولكن الحقيقة هي أن الفتاة هنا ليس لها فضل حقيقي عملي تستحق به هذه القيمة، هي لم تخلق جسدها ولا أوجدت جنينها بعبقرية منها كما أن القدرة على حمله و إرضاعه و رعياته لا تعني الإستعداد لفعل هذا الأمر حقيقة وهي يتلك الدرجة من السطحية و الأنانية و الطمع، و نظراً لأن هذه هي الحقيقة فإن التوصيف الحقيقي للواقع هو أن المجتمع يميل بالتدريج مع الغنى و الأمن لأن يستسلم للمرأة فتستعبده خلقتها وما يتبع ذلك الإستعباد من تتبع للمنطق الأنثوي في معظم نواح الحياة حتى يصبح المنطق الذكوري السليم قد زال تماماً و حلت مكانه مثاليات وشكليات لم يكن المجتمع يتصور أنها قد تترسخ يوماً ما وهو يعيش حاجةً وخوفاً يدفعه لإقصاء مظاهر النفاق و الأنانية هذه. 

إن الحقيقة المهمة التي يستفيد الجميع من إدراكها هي أن الرجل لا يملك قيمة تذكر في حد ذاته “أي في جسده”، بل إن قيمته كلها تقريباً مكتسبة، و لأن هذا هو الواقع فإن قيمة الرجل مرتبطة بالإنتاج و الكفاءة و التعايش مع الظروف القاسية، لذلك فإن الرجل عندما يقترن بالمرأة فإنه عملياً يكون قد قدم لها ما يثبت تميزه عن الشريحة المستعضفة من الرجال و إن كانت من علية القوة فإن عليه إثبات تميزه في تلك الشريحه و استحقاقه لذلك التميز، و هذه النقطة تعني بأن الرجل قد حقق نفوذاً و مادة وأنه مستعد لصرف تلك المادة عليها نظير إعلان ارتباطها به وامتلاكه لجسدها وما ينتجه. إن سيطرة المنطق الذكوري في التعالي و الإحتماء تعني لذلك سيطرة المنطق العملي الذي لا يعتمد على إمتيازات خَلْقية ولا توقعات نفعية من الآخرين، كما أنه منطق يفترض التكافؤ بشكل أكبر من المنطق الأنثوي و يتقبله نتيجة للحاجة العامة لدى الرجال أن يقدموا ما يعطيهم قيمة و هيبة. 

عندما تطول حالة الوفرة و الأمن في المجتمع فإن قيمة الرجولة تتراجع لأن الرجولة ترتبط بالإنتاج و الشجاعة و الثبات و هي صفات تقل أهميتها في حالة الوفرة و الأمن، و لأنهذه الحالة ترتبط أيضاً بزيادة عدد الذكور و زيادة التفارت بين الأغنياء و الفقراء فإن التمييز بين عامة الذكور و الأغنياء منهم “والذين يكتسبون صورة الرجول عند النساء” يصبح جلياً واضحاً، كل هذا يدفع بالمنطق الأنثوي للواجهة فالرجال القادرين على الزواج و التعدد يجدون في ارتباطهم بالنساء اللاتي أصبحن أكثر انتقاءً و اشتراطاً وسيلة للتعالي و تميز “مجرد الزواج يصبح وسيلة للتعالي”، فتظهر النساء جملهن و يتفاخر بذلك الرجال ومع هذا الوضع تصبح عموم النساء أكثر إدراكاً لقيمتهن و قيمة جمالهن في هذه العملية التنافسية فينشغلن بالتجمل و الشراء و مطالبة الرجل بالصرف و التكفل ليظهرن بمظهر فاتن وليصنعن لأنفسهن قيمة تتجاوز قيمة عموم الرجال .. هذا المجتمع بهذا المنطق العام الذي صار منتشراً يصير بالضرورة مجتمعاً مشغولاً بالمظاهر فاقداً القدرة على الإستقرار نتيجة لهذا التحدي البصري الدائم و فاقداً القدرة على إبصار ما هو نافع فعلاً و عملي وعادل. 

المرأة ليست كياناً ملائكياً مستعداً لإنكار نفسه من أجل الآخرين، المرأة كائن أناني مثل الرجل تماماً يستخدم ما أعطاه الله من ميزات كوسيلة لتحقيق رغباته و مطامعه كما أن الرجل يستخدم قدراته الجسدية و العقلية و النفسية لإيجاد منتجات و خلق ظروف يتعالى ويحتمي بها. هذا الفرق هو الفرق الأساس و إلا فالتصور الغريزي لدى الرجل بأن المرأة الضعيفة في الجسدها و المتغنجة في حركتها تشعر بالضعف و تستنجده كي يحميها و يهيمن عليها هو في الحقيقة تصور سطحي يجهل حقيقة إدراك المرأة الجميلة و الضعيفة في شكلها لقوتها وقيمتها الإجتماعية .. و المرأة نتيجة لهذا الأثر الإجتماعي و قدرتها على غزو الرجل و إشغال تفكيره تشعر بالغبطة و العشق لأنوثتها فتنافسه على الهيمنة و إن كانت تتظاهر بعكس ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق