الأحد، 8 مارس 2015

العلمانية



العلمانية 

"ستظل المصالح السياسية و العقيدة الدينية عاملان يؤثران في بعضهما البعض ، يسعى كل منهما لاستغلال الآخر تبعاً لأولوية المجتمع" 



إن العلمانية هي موقف ثقافي إجتماعي ناتج عن شعور عام بتعارض المصلحة العامة “المادية” مع نظرة الدين السياسية/الإجتماعية و الشك في قدرتها على إدارة مصالح الشعوب مما يحصر دور الدين في أذهان الناس على البعث الروحي و التربية النفسية الأخلاقية على الإنضباط العملي و حسن التعامل ، و على هذا الأساس يتم تفصيل عقيدة عامة جامعة تبعث على التعصب و التحرك لتحقيق مصلحة المجتمع السياسية “المادية” عوض عن تشريع سياسات و قوانين قائمة على نظرة أخلاقية مسبقة واضحة للكون و المجتمع و لمكانة كل كيان فيه . 

العقيدة البروتستانتية مثلت الإنفصال الثقافي عن العقيدة الكاثوليكية القديمة بتركيزها على مبدأ الحرية و التفوق السياسي و إتاحة الفرصة للتنوع فمهدت الأرض لتعددية مذهبية جعلت الناس يستثمرون قدرة الدين على البعث الروحي دون التفاصيل و أثارت الفكر القانوني الإداري المبني على أساس ثنائية الشك و الدليل دون تجريح لجانب الدين العقدي الروحي اللا العقلاني .. من هنا نشأت علمانية ثقافية إبتعثت لنفسها ديناً جديداً يتوافق مع مصالحها ولا يحرمها لذة الإفتخار بماضيها و الإنتماء إليه ، هذا الدين الجديد إستثمر التعصب الديني في السياسة بشكل إيجابي عندما وجد أن العقيدة القديمة تترفع على المصلحة و تتعارض معها ..

لعل أكبر المكاسب التي يمكن للسياسي تحقيقها باسم الدين قائمة على مقدار شك الناس في تفاصيل دينها و تعاليمه السياسية/الإجتمعاية إلى الحد الذي يتمكن معه السياسي من استغلال ذلك الشك ليروج لنظرة دينية متوافقة مع المصلحة السياسية المرغوبة ، هذا التشكك في شكل الدين و تفاصيله يساهم في إضعاف التحرك السياسي المعارض و يشل من قدرة الدين على كبح جماح الشهوات في السوق الرأسمالية دون أن ينهار تماماً ليساعد السياسي على استخدام العاطفة الدينية عند الحاجة و متى ذهبت الحاجة عاد التشكيك غاية .

لا يمكن فصل الدين عن الدولة عندما يكون الدين عاملاً أساس في التحرك السياسي للمجتمع ، فالدين سيحكم القرارات السياسية كما أن المصلحة السياسية تحكم فهم الناس للدين عندما تطغى أهمية المصلحة السياسية على الدين في العقول .. و بالتالي فعندما يصل الناس إلى فهم واسع للدين "الإسلامي" يركز على مبادئه الأساسية و يوسع دائرة الإختلاف فيه فإن الموقف السياسي لعموم الناس سيكون متردداً في التعامل مع المختلف داخل نطاق العقيدة الإسلامية مما يسمح بالتعامل العقلاني و سماع الحجج و قبول الإختلاف و توسيع الحركة الفردية المبدعة للمجتمع ، هنا سيكون تذليل العوائق السياسية بفرض نظم ديموقراطية “شورى و مشاركة” مفيداً للمساهمة في انتشار الحركة الفكرية النقدية التجديدية للعقل السياسي و الإجتماعي و الديني .  


و مع أن الشك و التجديد أمران مطلوبان إلا أن قيمة التعصب السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية لا يمكن تجاهلها إذ هي الوقود العاطفي الذي تقوم على أساسه أعمال الناس ولا يمكن تصور الإندفاع للعمل التطوعي أو الإلتزام بالعادات و المبادئ الإجتماعية و السياسية مالم تكن هناك عصبية قائمة واضحة الروح و الملامح فاعلة تستثنى إعلامياً و سياسياً من الطرح على طاولة النقاش .. قد يكون العقل عدواً للتعصب لكنه أيضاً لا ينطلق إلا من أساس عصبي يكسبه وعياً بإحداثياته المكانية و الزمانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق