سيكولوجية التزاوج .. (١)
“يضعف الإنسان عندما تقل حاجة الآخرين إليه”
لعلها من أكثر الأمور وضوحاً في الحياة البشرية العامة مع شدة تخفيها عن أعين الناس ، مقدار تفاوت الرجل و المرأة في قدراتهما و نقاط عجزهما، و لعل تلك النظرة المتجاوزة لحقائق الأمور و أساساتها تدفع الكثير إلى إساءة الفهم .. فالرجل كان دائما ولا يزال يملك فائضاً من القدرة الإنتاجية فيما يعجز عن الإنجاب و الإستخلاف مقابل عجز المرأة عن توفير حاجتها و حاجة رضيعها غالباً فيما تملك هي فائضاً من قدرة الإنجاب و الإستخلاف ، هذه الحقيقة تشكل إلى حد بعيد طريقة تعاط كل من الطرفين مع الآخر و قياسه لقيمته الحقيقية في ((سوق التزاوج)) و ((أرض الصراع))
و لعل أجدا وسيلة لفهم التفاوت و تجاوز العوامل المؤثرة على كلا الطرفين تكون بالعودة إلى واقع بسيط يتشكل من مجتمع صغير تنحصر فيه الوسائل التقنية و العقائد الدينية الضابطة لتظهر الغرائز الطبيعية لدى الفرد التي تدفعه باتجاه حماية نفسه و نسله و كل ما يمثل هويته الذاتية مقابل الآخرين .. و خاصة مابين الذكر و الأنثى
((مثال القريتين الآمنتين )) :
لو افترضنا وجود قريتين آمنتين غير مكشوفتين على أي مجتمع خارجي و غير قادرتين على الإتصال بأحد لكن رزقهما موفور و هما في هذه الظروف المريحة يسعيان للحفاظ على نسليهما ..
١- القرية الأولى .. ( تتكون من ١٠٠ امرأة و رجل واحد )
قدرة هذه القرية على التناسل لن تتأثر كثيراً بقلة الرجال ، هذا الرجل لوحده قادر خلال بضعة أشهر على جعل هؤلاء النسوة كلهن يحملن و من ثم يضاعفن عدد سكان هذه القرية فيما يقل عن سنتين !! و مع أن ندرة هذا الرجل بالمقارنة مع بقية النساء من حوله قد تدفعهن للتحاسد و محاولة التعالي بعضهن على بعض بطلب قلب هذا الرجل الوحيد إلا أننا إذا افترضنا أن شخصيته رجولية غير مطواعة فإنه سيتمكن من تجاهل هذه الغيرة و الصراع النسوي من أجل تحقيق المصلحة العامة في التكاثر و الإستقواء بالنسل ، و لما تجد النساء في هذا المجتمع الصغير أن التعالي عن طريق التزاوج لم يعد وسيلة مطروحة يصبح الإنجاب و التعالي بقيمة الأبناء و كفائتهم وسيلة أخرى للتميز الإجتماعي المطلوب فيكون ذلك دافعاً لهن في طلب المزيد من الذرية .
٢- القرية الثانية .. (( تتكون من ١٠٠ رجل و امرأة واحدة ))
إن وفرة الخلايا التناسلية لدى كل رجل مع وفرة الرغبة الجنسية تصطدم بواقع ندرة الأرض التي يمكن زراعتها (المرأة) ، فحتى لو افترضنا جدلاً أن المرأة ستتمكن من تلقيح كامل بويضاتها التي وهبها الله كيف ستتمكن من حمل كل هذا العدد من الأجنة و إنجابهم و إرضاعهم ؟! ، لهذا فإن فائدة بقية الرجال في مجال التناسل و الإستخلاف تنعدم تماماً و تظهر تلك القيمة المتدنية بقدر استعداد هؤلاء الرجال للقتال من أجل الحصول على هذه المرأة و رحمها فلا يتوقف القتال حتى يفنى أكثرهم و يبقى واحد يسود بقيتهم إما لعجز ظاهر أو نتيجة إعاقة طارئة . هذه القصة تعطي صورة مفادها أن قيمة الرجل في سوق الزواج تهبط أحياناً إلى الصفر بعكس المرأة التي تحتفظ بقيمتها نسبياً ، و لهذا فأن مهمة الإستخلاف بالنسبة للرجل شاقةٌ بقدر مهمة الصراع الطبيعي من أجل البقاء و لذلك فإن حاجته الدائمة لإثبات أحقيته بالقوة و الدهاء لنيل ذلك الرحم من بين الرجال و لنيل بقية الموارد الطبيعية لا تزال ظاهرة .
(( مثال القريتين المكشوفتين )) :
لنعكس هاتين القصتين و لنتصور كيف كانت ستكون الظروف لو أن هاتين القريتين كانتا في بيئة صعبة ( نظراً لشح الموارد و قرب المعتد ) ..
١- القرية الأولى .. نظراً لكونها معرضة للزوال إما لنقص الموارد أو ضعف الحيلة فإن النساء فيها سيجدن قيمة الرجل في نفوسهن تزيد لقوة جسده و استقرار نفسه و ندرته و أن احتمال وفاته يعني احتمال انقراض نسلهم فيكون الصراع بينهن على مكانتهن منه أكثر حدة حتى تتمكن مجموعةً بسيطةً من النساء من السيطرة على قلبه و تجييشه على بقية النساء الأقل حظاً في الجمال و الغنج ليقوم هو بتسخيرهن لخدمته و خدمة مقرباته بالعمل و القتال .
٢- القرية الثانية .. هذه القرية تصبح في هذه الظروف معرضة لخطرين ، الخطر الأول هو انقراض النسل بانتفاء التزاوج و الخطر الثاني هو دمار القرية بأكملها نظراً لاعتداء أجنبي أو قلة رزق ، و لأن هذا يجعل التنبؤ بالمصير أكثر صعوبة فإن قرار مجموع الرجال هنا يعود لقيمة هويتهم الجامعة و مصلحتها في أنفسهم في مقابل الهوية الفردية و الحرص على المنفعة الذاتية و لذلك فإنه يحتمل أن يدخل الرجال في صراع مع الخارج ليحصل من بقي منهم على المرأة أو أن يتقاتلوا حتى يشعروا بشدة انكشافهم على الخارج فيقبلوا بعلو أحدهم عليهم مؤجلين صراعهم الداخلي إلى حين أو أن تتطلع آنفسهم إلى استكشاف العالم البعيد أملاً في إيجاد نساءٍ و ظروف اقتصاديةٍ أفضل عوضٍ عن الإقتتال الذي قد يذهب بهم .
هاتين الصورتين الإفتراضيتين توصلنا إلى مجموعة مفاهيم أساسية وهي :
١- قيمة المرأة في ذاتها و قيمة الرجل فيما يحسن .
٢- الرجولة تمثل الحركة و الأنوثة تمثل السكون .
٣- المرأة تنتقي و الرجل يجمع .
٤- الذكور .. جنس مستهلك قيمته في درجة استهلاكه .
٥- الرجال ينتشرون و النساء تجتمع .. الرجل يتميز و المرأة تتساوى .
٦- مكانة الرجل بمقدار نفوذه و مكانة المرأة بمكانة خاطبيها.
أفصل في المقالة التالية ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق