مهزلة الديموقراطية (٢)
عندما يصير حكم الضعيف عقيدة ..
٧- إذاً ماهو النظام السياسي الأمثل ؟ وكيف نستطيع أن نجار الغرب ؟
“ لا يوجد نظام سياسي يضمن الصلاح و التقدم .. لذلك فإنه لا يوجد نظام سياسي مثالي“
الأنظمة السياسية عبارة عن قوانين جامدة باردة من صنع البشر يفترض بها أن تنظم حركة الناس وتضع لهم القواعد الأساسية التي يعملون من خلالها لتحقيق مصالحهم الشخصية، لذلك فإنها لا تضمن شيئاً لوحدها إذ أن المقارب للموضوع السياسي بهذه النظرة يجهل أو يتجاهل أن أساس الإنتظام قبول و رضى عام في القلب يتبعه تضحية تقلل من انتشار منطق الربح في مجالات الحياة، لذلك فإن الدول بعكس ما يقال في الوقت الحاضر لا تثبت ويقوى عودها إذا كان عموم الناس فيها يعتمدون في كل مصالحهم على مبدأ المقايضة المادية الصرفة و المشاحة، بل إنه كما يصح قول الرأسماليين بأن الحكومة الصغيرة دليل على قوة الدولة فإنه يجب تبيين القاعدتين الأساسيتين التي تقوم عليها هذه الحقيقة قبل أن نأخذ هذا الكلام على إطلاقه :
١- أن القوى السياسية عليها أن ترضى بمن يفرزهم السوق كقوة إقتصادية تشارك إلى حد ما في القرار السياسي و التوجيه ( والمشاركة هنا قد لا تكون مشاركة واضحة و إنما مجرد الحساب و التشاور و التفاهم يعد مشاركة مهمة وإن أغفلها الكثير من المراقبين نظراً لما للمال و المؤسسات التجارية من قوة وأثر على البناء السياسي لا يحسب حسابه العامه إلا في مجال الترف والمباهاة المادية ).
٢- أن القوة السياسية عليها ألا تحتاج للتدخل كثيراً في مجال الضبط و الحماية و الرعاية إذ أن نشاط عموم الناس في مجال الأعمال التطوعية و الأوقاف يقلل من استنزاف الدولة فتقل لذلك الضرائب والحاجة لتضخيم القطاع الحكومي .
( هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين، و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم )
لا يمكن أن تجد دولة قوية تتدخل في جميع مجالات الحياة نظراً لكون ذلك يستنزف مواردها، كما أن الإحجام عن التدخل لا يعني بالضرورة قوة الدولة إذ أن الإنتظام و التعاون و الإكتفاء العام للدولة ضروري لاستقلال الكيان السياسي و قوته. كل ذلك يعني أن الدولة تشبه الإنسان في أن لها هوية واضحة و قيم و هيئة مميزة حاضرة في الأذهان تنظم الجميع و تحركهم للمصلحة العامة، و نظراً لكون هذه الأمور كلها لا تتم بقرارات بشرية بل هي نتاج عقيدة متوارثة مع حوادث وتجارب تاريخية و ظروف متشابهه و مصالح مشتركة فإن هذا يعني أن الله تعالى هو الذي يقدر هذه الأمور، يقول تعالى : ( يعز من يشاء و يذل من يشاء بيده الخير )، و يقول :( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ).
لذلك فإنه من الأفضل إعادة صياغة السؤال بطريقة أفضل .. وهي :
ماهي الدلالات المادية على صحة النظام القائم و شرعيته ؟
وما هي الظروف التي ستؤدي بعد مشيئة الله تعالى لمعادلة الكفة في هذا الصراع الحضاري ؟
الدلالات بحسب تقديري هي :
١- أن المبدأ الحاكم للدولة ككل يجب أن يكون “الإستقلال النفسي و المادي عن أي شيء غير الله” ومن ثم تتحقق العبودية لله ( و أنا هنا أقصد الدولة ككل أي أن هذا المبدأ يعد الأساس الذي تبنى عليه التشريعات الداخليه و القرارات السياسية الخارجية وهو الأساس الذي تبنى عليه أخلاق المجتمع و يستمد منه الشعور العام بما هو صحيح و جميل وما هو خاطئ و قبيح ).
٢- أن السوق (حرية التبايع في المنتجات و الأصول ) و حرية الناس في الإختيار عند التزاوج تحكم بين الناس في من يرتفع و ينخفض في السلم الإجتماعي، و أن التدخل من قبل أي شخص أو كيان لتقييد هذه الحركة وضبط نتائجها يعد أمراً محرماً و مرفوضاً من قبل عموم الناس مالم تكن تلك النتائج التي يميل باتجاهها السوق تشير لبروز قوة إقتصادية و سياسية تهدد المبدأ الأول .. ( بطبيعة الحال فإن التسليم بنتائج السوق لا يكون إلا في مجتمع متماسك في عصبيته، رضي في أخلاقه، بعيد في نظرته ).
٣- أن عموم المجتمع “رعية” و عموم الوجهاء “رعاة”، و بالتالي فإن الرعية مسؤولون عن التزام الطاعة وإكرام ولاة الأمر والإمتثال للقانون مالم يكن فيه نقض صريح لشرع الله، و أما الرعاة فإنهم مسؤلون عن إقامة القانون على أنفسهم و غيرهم على حد سواء كما أنهم مسؤولون عن رعاية الضعيف و حمله وإرشاد الرعية لما فيه صلاحها في الدنيا و الآخرة و يكون ذلك بالتبيين تارة و الإكراه تارة أخرى.
٤- يصعد بعض من الرعية مع الزمن لمكان الوجاهة و الأمارة وينزل آخرون بقدر الله تعالى وذلك ناتج عن كثرة المال و الولد و الذكر الطيب و اجتماع العصبية لفرع من فروع المجتمع و انحلالها عن فرع آخر، ومتى ما حصل ذلك فإن المسؤولية تقع على هذه القوة الجديدة كما هي واقعة على القوى السابقة الباقية في أن يحلوا خلافاتهم فيما بينهم مما هو من أمور الدنيا (المصالح) و يلتزمو بتحقيق المصلحة العامة بقدر المستاطع و إعلاء كلمة الله و شرعه حتى ولو كان ذلك يعارض الرغبة الكامنة في النفوس بالتفرد بالحكم والوجاهة.
٥- من كانت له الغلبة واجتمعت له الكلمة فإنه يُبَايَع حتى و إن كان مفضولاً، ذلك أن اجتماع الكلمة على رجل بسيط أو حتى ضعيف خير من تشتت الكلمة على رجال أقوياء .. هنا يعتد بالأصوات و الإنتخاب ولا يصح أن يعمم الإنتخاب و الرأي على عموم الناس كوسيلة للتشريع في جميع الأمور.
هذه برأيي النقاط الأساسية المهمة في الحكم على دولة ما بأنها راشدة تمثل النهج النبوي في الخلافة والمنطق الإسلامي في التعامل مع القضايا السياسية و الإقتصادية، ومع أن هذه النقاط مهمة إلا أن عدم توفرها بالتمام في دولة مسلمة لا يشرع لرعيتها أن يثوروا أو يسعوا للتغير الهيكلي مباشرة عن طريق الحشد و المواجهة الجماهيرية نظراً لكون التغيرات السريعة عن طريق الحشود لا تؤدي للحصول على المرغوب، كما أن الظروف و القوى النافذة المتصارعة نادراً ما يحسب لها عموم الناس حساباً صحيحاً فتنتهي هذه الحركات الجماهيرية للإضرار بمن كانت قد خرجت لأجلها.
أما الظروف التي ستؤدي لموازنة القوة العالمية فهي برأيي على وجهين : ١- ظروف محسوسة يمكن قياسها ٢- ظروف أخرى يقدرها الله تعالى هي فوق قدرتنا على الحساب، أما الظروف المحسوسة فهي برأيي كالآتي :
١- تحلل العصبية الغربية و انهيار الموازنات المالية لتلك الدول نتيجة لهذا التحلل في البناء الإجتماعي و الإقتصادي.
٢- إنفراجة إقتصادية ومن ثم آثار سياسية تسمح للمجتمعات المسلمة أن تتنفس مرة أخرى و أن تشعر بإمكانية تحويل الأحلام لمشاريع وبنى محسوسة أمامها.
٣- عدم انقضاء العوائق الخارجية بالتمام، بل تستمر المجتمعات المسلمة تواجه الخطر على حدودها و التهديدات على إستثماراتها مما ينقي النظام الداخلي ككل "بنية سياسية و اجتماعية و ثقافية".
أما الذي يقدره الله و يصعب حسابه فهو :
مقدار عودة الناس للدين ليستمدوا من كتاب الله وسنة نبيه وحركة سلفهم صورتهم الأساسية و هويتهم التاريخية التي تحرك اقتصادهم و تضبط أفرادهم و تؤدب أصحاب النفوذ فيهم.
على الإنسان أن يذكر دائماً أن البناء و الإنضباط طارئ على البشر و أن القوانين لا تكتسب قيمة مالم يكن عدد المعتدين عليها قليل و البلد الذي يحويهم غني يستطيع أن يدفع المال لإيجاد قوة رادعة أو أن عموم الناس يتكرمون بأموالهم و أنفسهم فيوفرون بذلك القوة اللازمة للبناء. أما أساس الإنضباط فهو إيمان و عصبية و حلم، لذلك فإن أكثر الدول حداثة و بداوة قادرة على التغلب على أكثر الدول تعقيداً و أثراً طالما أنها تملك من الروح و الإنضباط في نفوس أفرادها ما يفوق في أثره تلك الدول الراسخة في قوتها المادية و العسكرية، ولذلك فإن الإستراتيجيا و الخطط تموت على أعتاب ثقافة المجتمعات و عقيدتها، وصراخ أصحاب الحداثة المتكرر بأن العالم مقبل على نمو وازدهار لمجرد أن المرأة ثارت على زوجها والعامل ثار على مديره والمجتمع ثار على حكامه و حالته البائسة سخافة و سطحية لا يصدقها إلا أنصاف المتعلمين.
سأكمل الكلام في المقال التالي ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق