وقفة مع كارل ماركس
( إشكاليات النظام الإقتصادي المعاصر .. عبقرية التشخيص و إشكالية الحل )
المشاكل الأساسية في النظام الرأسمالي بحسب ماركس هي كالتالي :
١- العمل الحديث يعطي شعوراً بالإغتراب عن الواقع
( يقول كارل ماركس .. إن العمل ينبغي له أن يكون ذا منتج ملموس مؤثر في المحيط الإجتماعي حتى تكون له قيمة معتبرة في نفس العامل ، و نظراً لكون الأعمال المؤسسية الكبيرة تجزء العمل إلى الحد الذي يفقد معه العامل الشعور بقيمته في إنتاج المنتج النهائي فإن العمل الحديث يعطي شعوراً بالاغتراب عن الواقع )
٢- العمل الحديث غير مضمون
( في الرأسمالية العامل مادة مستهلكة يمكن التخلي عنها أو تقليلها متى ما توفر البديل التقني أو ارتفعت الأجور .. هذا الشعور لدى العامل باللا مركزية يفقده الإحترام الذاتي ليصبح كياناً متعلقاً ضعيفاً )
٣- يتلقى العمال أجراً قليلاً في مقابل اغتناء أصحاب رأس المال
( كان ماركس يرى بأن أصحاب رأس المال على استعداد دائم لاستغلال حاجة الطبقة العاملة بتخفيض الأجور دون تعاطف طالما أن ذلك يحقق المزيد من الأرباح .. سماه “Premitive Accumulation” و رآه شكلاً من أشكال السرقة نظراً لكون التاجر لا ينتج شيءً غير كسبه لفارق القيمه بين تكلفة الإنتاج و سعر السلعة النهائي و طالما أن العامل لا يحصل على دخله تبعاً لسعر السلعة بل تبعاً لقدرة التاجر على استغلال حاجته و وفرة اليد العاملة سواه فإن ذلك يعد سرقة )
٤- النظام الرأسمالي نظام غير مستقر
( النظام الرأسمالي بطبيعته نظام تضخمي تتخلله سلسلة من الإنهيارات المتتابعة و التي يمكن توقعها و إن كان السياسيون و الإقتصاديون يزعمون غير ذلك .. نظراً لأن الرأسمالية ناتجة أساساً عن القدرة على إنتاج فائض يمكن تسويقه على نطاق واسع فإن طبيعة الإنسان الطامعة و الجزعة تدفعه للتجميع و التنافس على الفائض في مقابل من لا يحصل إلا على الفتات فتتكون طبقة تملك أكثر مما تحتاج بكثير و طبقة أخرى لا تجد وظيفة تمكنها من الحصول على احتياجاتها نظراً لأن المصانع تستغني عن اليد العاملة بالآلة ! و من هنا يصبح الإغتناء لعبة تكهن و مقامرة تؤدي للنمو و التضخم و الاستثمارات خاطئة الناتجة تؤدي للإنهيار في نهاية المطاف و هكذا تتكرر الدورة )
٥- الرأسماليك سيئة لأصحاب رأس المال
( يقول ماركس .. أصحاب رأس المال ليسوا سيئين لكن حرصهم على جمع المال و الترفع الإجتماعي تبعاً لذلك يجعل علاقاتهم الإجتماعية مبنية على أساس المصلحة المادية الملموسة مما يفقدها الصدق و المتعة الحقيقية ليصبح أصحاب رأس المال حبيسي أدوارهم الإجتماعية المفروضة عليهم تبعاً لمكانتهم التي قررها السوق و الصراع السياسي .. سماه commodity fetishism )
إشكاليات الرأسمالية كما يراها ماركس هي في حقيقتها إشكالات إجتماعية و سياسية ناتجة عن حالة النظام الإقتصادي الحديث المبني على ((الوفرة)) ، فالطاقة و الآلة عندما حلا محل اليد العاملة جعلا ضروريات الحياة موفورة و القدرة على احتكارها أمر ميسور فصارت قيمة اليد العاملة محصورة في الأعمال الترفيهية و السياحية و الخدمية التي تعد بطبيعة الحال قطاعات هامشية في الغالب مما دفع بقطاعٍ كبيرٍ من المجتمع إلى هامش معادلة التأثير السياسي و أوكل لمجموعةٍ بسيطةٍ كل القرار السياسي و مصادر القوة اللازمة له ..
“الشعور باللا مركزية و لا مركزية العمل هما النتيجة الحتمية لولادة نظام إقتصادي ينتج أكثر مما يحتاج و يحتاج للقليل من الأفراد كي ينتج ما يحتاج”
التجارة بطبيعتها حالة من التطفل على عمل الغير و سعيٌ لاجتزاء قيمة العمل النهائية ، لذلك هي حالة مذمومة عند العاملين دائماً وهي شكل من أشكال الإستعباد تظهر بتعالي صاحب رأس المال و تذاكيه ، إلا أن تعقد المنتج النهائي و الحاجة للتخصص جعلا من التجارة فناً خطرً يجب التركيز فيه و تحين الفرص التي تختلف باختلاف المكان و الزمان و المكانة الإجتماعية أو التخلي عنها و عن المتاجرة تماماً في حال رغب الفرد في الرقي بقدراته و التنافس في سوق العمل الذي يعد أكثر ضمانة و أكثر تطلباً لحضور الذهن و تفريغ الوقت .. ظهور الآلة و توفر الطاقة حولا نظام السخرة القديم القائم على القوة و العصبية إلى نظام سخرة جديد قائم على قدرة جماعة بسيطة على احتكار الأصول و موارد الإنتاج و مع التنكر لهذا الوضع القائم بتأميم الأصول و موارد الإنتاج فإن ذلك لا يقضي على السخرة و العبودية إنما يغير وسائل التحصل عليها ، و نظراً لأن الدافع الأممي و المصلحة العامة تأتي غالباً بعد الدافع الفردي و المصلحة الفردية عند عامة الناس فإن هذه الوسيلة في الترقي الإجتماعي و الرفاهية تشل الحركة الإبداعية و تضعف القدرة التنافسية .
عدم استقرار النظام الرأسمالي هو من قدرته على إنتاج الفائض في بنية مجتمعية معقدة جعلت من الصعب التنبؤ بوجود استثمارات غير مجدية و هدر عام إذ العقلية البشرية مبنية على التعميم و قدرتها على استشراف الإستثناء ضعيف و سعي السياسي لإرضاء الرعية يغلب جانب التغافل على جانب الحذر .
إن حرية التصرف في موارد الإنتاج و تملك الأصول يعد حقاً مكفولاً و حالة طبيعية في تعامل البشر نشأت مع نشوء المجتمعات ، إلا أن التفاوت في القوة و الغنا الذي أوجدته الطاقة جعلت حريات البشر الأساسية مثار شك و عرضة للمساءلة إذ يمكن استخدامها لاستعباد الاخر و التطفل على ناتج عمله فاندفع الناس لذلك يحلمون بإيجاد مجتمع يتشارك الفائض و يحترم الفراغ ولا تستعبده التنافسية و الخوف المستمر ..
إن إشكاليات الرأسمالية لا يمكن تجاوزها بالتنظيم إلا جزئياً ، فموارد الإنتاج العامة التي يحتاج لها الجميع لا يمكن السماح بتخصيصها نظراً للقوة السياسية التي سيمتلكها صاحبها كما أن أساسيات المعيشة من ماء و غذاء أساسي و صحة يعد في ذهن الجميع من مسؤوليات الدولة نظراً لأن هلاك الإنسان من شح في ظل وفرة هذه المواد يعد ظلماً ، إلا أن ازدياد الفارق في الدخل مع ظهور الإستغلالية و التباين الجارح في المعيشة يفتك في النسيج الإجتماعي و يذهب الشعور بالإنتماء و المسؤولية مع الحرية التجارية المسموحة .. إن هذه الحالة لا يتم تجاوزها إلا بخصلتين اثنتين تعقب خصلة الإعتماد على الذات وهي القناعة و الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين بالتصدق و الإهداء و عدم التعالي ، أي محاولة لتجاوز مسؤولية الأفراد تجاه إخوانهم في المجتمع توجد حلولاً حالمة لا تحقق نتائج إيجابية كبيرة ذلك أن توزيع الموارد و الخدمات لا يتم دون حرص الأفراد على تعميم المكاسب الوطنية و الأممية و ذلك لا يتم دون شعور الأفراد بامتداد هويتهم إلى غيرهم ليضعف ذلك جانب الجزع و يحل مكانه هوية حاضرة واضحة المعالم قوية الأركان منتشرة بانتشار أفراد المجتمع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق