الأحد، 8 مارس 2015

العلمانية



العلمانية 

"ستظل المصالح السياسية و العقيدة الدينية عاملان يؤثران في بعضهما البعض ، يسعى كل منهما لاستغلال الآخر تبعاً لأولوية المجتمع" 



إن العلمانية هي موقف ثقافي إجتماعي ناتج عن شعور عام بتعارض المصلحة العامة “المادية” مع نظرة الدين السياسية/الإجتماعية و الشك في قدرتها على إدارة مصالح الشعوب مما يحصر دور الدين في أذهان الناس على البعث الروحي و التربية النفسية الأخلاقية على الإنضباط العملي و حسن التعامل ، و على هذا الأساس يتم تفصيل عقيدة عامة جامعة تبعث على التعصب و التحرك لتحقيق مصلحة المجتمع السياسية “المادية” عوض عن تشريع سياسات و قوانين قائمة على نظرة أخلاقية مسبقة واضحة للكون و المجتمع و لمكانة كل كيان فيه . 

العقيدة البروتستانتية مثلت الإنفصال الثقافي عن العقيدة الكاثوليكية القديمة بتركيزها على مبدأ الحرية و التفوق السياسي و إتاحة الفرصة للتنوع فمهدت الأرض لتعددية مذهبية جعلت الناس يستثمرون قدرة الدين على البعث الروحي دون التفاصيل و أثارت الفكر القانوني الإداري المبني على أساس ثنائية الشك و الدليل دون تجريح لجانب الدين العقدي الروحي اللا العقلاني .. من هنا نشأت علمانية ثقافية إبتعثت لنفسها ديناً جديداً يتوافق مع مصالحها ولا يحرمها لذة الإفتخار بماضيها و الإنتماء إليه ، هذا الدين الجديد إستثمر التعصب الديني في السياسة بشكل إيجابي عندما وجد أن العقيدة القديمة تترفع على المصلحة و تتعارض معها ..

لعل أكبر المكاسب التي يمكن للسياسي تحقيقها باسم الدين قائمة على مقدار شك الناس في تفاصيل دينها و تعاليمه السياسية/الإجتمعاية إلى الحد الذي يتمكن معه السياسي من استغلال ذلك الشك ليروج لنظرة دينية متوافقة مع المصلحة السياسية المرغوبة ، هذا التشكك في شكل الدين و تفاصيله يساهم في إضعاف التحرك السياسي المعارض و يشل من قدرة الدين على كبح جماح الشهوات في السوق الرأسمالية دون أن ينهار تماماً ليساعد السياسي على استخدام العاطفة الدينية عند الحاجة و متى ذهبت الحاجة عاد التشكيك غاية .

لا يمكن فصل الدين عن الدولة عندما يكون الدين عاملاً أساس في التحرك السياسي للمجتمع ، فالدين سيحكم القرارات السياسية كما أن المصلحة السياسية تحكم فهم الناس للدين عندما تطغى أهمية المصلحة السياسية على الدين في العقول .. و بالتالي فعندما يصل الناس إلى فهم واسع للدين "الإسلامي" يركز على مبادئه الأساسية و يوسع دائرة الإختلاف فيه فإن الموقف السياسي لعموم الناس سيكون متردداً في التعامل مع المختلف داخل نطاق العقيدة الإسلامية مما يسمح بالتعامل العقلاني و سماع الحجج و قبول الإختلاف و توسيع الحركة الفردية المبدعة للمجتمع ، هنا سيكون تذليل العوائق السياسية بفرض نظم ديموقراطية “شورى و مشاركة” مفيداً للمساهمة في انتشار الحركة الفكرية النقدية التجديدية للعقل السياسي و الإجتماعي و الديني .  


و مع أن الشك و التجديد أمران مطلوبان إلا أن قيمة التعصب السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية لا يمكن تجاهلها إذ هي الوقود العاطفي الذي تقوم على أساسه أعمال الناس ولا يمكن تصور الإندفاع للعمل التطوعي أو الإلتزام بالعادات و المبادئ الإجتماعية و السياسية مالم تكن هناك عصبية قائمة واضحة الروح و الملامح فاعلة تستثنى إعلامياً و سياسياً من الطرح على طاولة النقاش .. قد يكون العقل عدواً للتعصب لكنه أيضاً لا ينطلق إلا من أساس عصبي يكسبه وعياً بإحداثياته المكانية و الزمانية

السبت، 7 مارس 2015

سيكولوجية التزاوج .. (٢)


سيكولوجية التزاوج .. (٢)
“يضعف الإنسان عندما تقل حاجة الآخرين إليه”

هاتين الصورتين الإفتراضيتين توصلنا إلى مجموعة مفاهيم أساسية وهي : 
١- قيمة المرأة في ذاتها و قيمة الرجل فيما يحسن .
٢- الرجولة تمثل الحركة و الأنوثة تمثل السكون . 
٣- المرأة تنتقي و الرجل يجمع .
٤- الذكور .. جنس مستهلك قيمته في درجة استهلاكه . 
٥- الرجال ينتشرون و النساء تجتمع .. الرجل يتميز و المرأة تتساوى .
٦- مكانة الرجل بمقدار نفوذه و مكانة المرأة بمكانة خاطبيها.



النقطة الأولى .. ( قيمة المرأة في ذاتها و قيمة الرجل فيما يحسن )

نظراً لعدم قدرة الرجل على الحمل و الرضاع و نظراً لعدم قدرة المرأة الواحدة على استنفاد قدرة الرجل الواحد تلقيحاً و إنجاباً فإن سوق التناسل يقتضي غلاء المرأة و غلاء جسدها لندرة موارده (اللقاح ، و زراعة الرحم ، و الرضاع) ..  بينما تكون وفرة الحيوانات المنوية لدى الرجال عموماً مع وفرة الرغبة الجنسية عاملاً أساس في تحجيم مكانتهم في سوق الزواج ، و لا تظهر قيمة بذور الرجل حتى يبز أقرانه بقدرة عقلية أو مادية أو جسدية أو نفسية أو حتى إجتماعية و غالباً ما يكون هذا التميز غير كافٍ لإقناع المرأة بل يتوجب عليه مع ذلك تقديم هديةٍ ليعلي مكانتها بما تبذله نفسه من جهد مالم تتنازل نفسها عن ذلك شراءً له . و في المقابل فإن الرجال بالعموم تزداد خبرتهم و صلابتهم بازدياد تعرضهم للمصاعب مما يخلق فارقاً جسدياً و عقلياً و نفسياً تستشعره عموم النساء فتلين أنفسهن و ترضى بالخضوع .

إقترنت الرجولة في الذهان منذ القدم بالإمتناع الذاتي عن الإهانة و التعدي مع المقدرة ، و ليس هناك ما هو أدعى للإفتتان في عقل المرأة من هذه الصفة ، وليس هناك ماهو أدعى للتناقض من رغبة المرأة في أن تكون ملكية لرجل مع رغبتها في التساوي معه !! .. إن السعي لبناء هوية مبنية على وظيفة ما أو تميز في حاجة هي خصلة ذكورية بالأساس و عندما تسعى المرأة للإتصاف بها فإنها تتصف بصفات الرجال طمعاً في التساوي في ما اعتاد الرجل على استمداد قيمته منه ، و هكذا تتبع بقية النساء في طلب المساواة مع المرأة الأولى التي طلبت المساواة مع الرجل حتى تقل الوسائل التي تمكن الرجال من استمداد قيمة تذكر فتصعب العلاقات الزوجية عندما يجد الطرفان تفاوتاً ملفت في القيمة المضافة و المكانة المستشعرة . 



النقطة الثانية .. ( الرجولة تمثل الحركة و الأنوثة تمثل السكون ) 




الصورة العلوية توضح المكانة الذي يحتلها كل فصيل في المجتمع تبعاً لصعوبة 
الظروف التي يمرون بها. كلما كانت الدائرة خارجة عن الأخريات كان  أفرادها أسعى في خوض المخاطر و استكشاف الطرق المؤدية للمستقبل طلباً لمزيد من المصالح أو دفعاً للمخاطر عن من هم بالداخل .
 الدائرة الزرقاء .. تمثل مجتمع الرجال (المتحرك) فيما تمثل الدائرة الحمراء مجتمع النساء (الساكن) و تبقا الدائرة الصفراء للعجزة في المجتمع من صغار و كبار (الأكثر سكوناً و اعتماداً على الآخرين). هذا التقسيم و مقتضياته تبين التمايز الظاهر في الأدوار و الإمكانات بين الرجال و النساء ، فالأول فاعل في الطبيعة من حوله مخاطر بطبعه و مستكشف مستقرئ للسنن الكونية المحيطة به و بمجتمعه يعي قيمة الشجاعة و التضحية الجسدية و المنطق العقلاني و يكتسب قيمته من قدرته على تطويع الظروف من  حوله و حماية من هم دونه  . 
الدائرة الحمراء .. تمثل جنس النساء الحاويات لمستقبل المجتمع في أرحامهن و الراعيات لتقاليده الإجتماعية حرصاً على إبقاء الروابط الداخلية الضامنة للسلم الداخلي الصالح لاستقرار النفسية المرهفة في خلقة المرأة و الطفل و الكهل . قيمة المرأة التي تظل دائماً ظاهرة بظهور قدرتها على احتواء مخلوق آخر في جسدها أو نفسها تجد الكثير من الصعوبة عند سعيها للمخاطرة و التنبؤ و عندما تسعى لتطويع الطبيعة من حولها دون معين أو معلم .

“الضعف في الدائرتين الداخليتين يجعل صفة السكون صفة غالبة على صفة الحركة و اتصاف أي من الأشخاص في هاتين الدائرتين بالإندفاع و الحركة يوهم الخارج بقوة هذا المندفع .. و لذلك استقبحت الجراءة في النساء”

إن وظيفة الحماية و توفير الرزق تتطلب مهارة عقلية و جسدية تيسر لصاحبها استخدام البيئة المحيطة لتحقيق المصلحة الجمعية ، و لأن الرجل بالعموم يتعلم العمل الجماعي بقدر ازدياد حجم المخاطر الخارجية و المتطلبات الداخلية فإنه تبعاً لإحساسه بعجزه مع كبر المهام الملقاة عليه يجد في نفسه القدرة و الحرص على تعلم الأمور من ناحيتها السياسية و تحسس المصلحة المادية الجمعية عوضاً عن المصلحة الإجتماعية التراتبية ، و بالتالي فإن الرجولة ظلت تعني الصفات المكتسبة التي رباها أصحابها نتيجة للظروف القاسية التي مروا بها وليس في خلقتهم منها غير العجين الأساس الذي بنوا عليه ، و بقدر ازدياد المهام و بقدر تمكن الرجال في المجتمع من قهر الظروف في سبيل المصلحة الجمعية تنمو في ذواتهم هذه الصفات العسكرية و العلمية لتميز أفرادها عن الجنس الآخر .         
    


النقطة الثالثة .. ( المرأة تنتقي و الرجل يجمع ) 

عندما تستشعر النفس غلو قيمتها و ندرة خدمتها مع عدم القدرة على الجمع بين الخيارات المطروحة عليها فإنها تميل للإنتقاء ، هذا هو حال المرأة التي تعي أنه في حال تساويها مع زوجها في القدرات و المكانة و النفوذ فإن قدرتها على الحمل و الرضاع و التربية تعطيها قيمة أكبر ، فهي إما أن تتركه لتطلب من هو فوقه أو أن قرارها سيسود قراره . و لذلك فإن المرأة عموماً لا تتزوج من هو دونها و تغفل في كثير من الأحيان عن النظر في من هو في مكانتها أملاً في الحصول على من تلين نفسها له.
يجد الرجل قيمته مستمدة من قدرته الفردية و الجماعية على تطويع الطبيعة من حوله و كلما ازداد انتشاراً إزدادت قدرته و ازداد ثباته كعاملٍ متصرف في كل ما حوله ، ولا تستثنى المرأة من هذه الطبيعة المطواعة إذ هي تُزرع و تُحكم و تُدارا ، و ليزد الرجل من عدد النساء اللاتي يمكنه زرع بذوره فيهن طالما أن قلبها الضعيف يستلذ استسلامها له .
هاتين الحقيقتين في طبيعة كل من الطرفين تعني بناءً هيكليٍ إجتماعي يخفى على الكثير ولا تظهر تفاصيله حتى يعم الإظطراب مجتمعاً من المجتمعات فتنهار العلاقات الزوجية الرسمية و تظهر ميول النكاح لدى الطرفين علناً . 

الصورة في الأسفل توضح كيف أن المرأة تفضل جزءً بسيطً من رجلٍ قوي على أن تتزوج ذكراً ضعيف ، و في المقابل فإن السعي للتعدد لدى الرجال لا يوفر فرصة سانحة للتزوج بالمزيد و الإستقواء مما يزيد إقناع الفتاة في أسفل القائمة أن لها حظاً معتبراً في الزواج ممن ترتضيه و لذلك فإنها تعلي من قيمتها . و بالطبع فإن من هم في أسفل قائمة الرجال لا يحظون بالنساء أبداً سواءً عدد الرجال الآخرون أم لا فالنساء تزهد فيهم .




لعل هذه الحقيقة من أكثر الحقائق قساوة على مجموع الرجال ، فالرزق يمكن اقتسامه إذ أن النفس البشرية تشبع ولا يمنعها عادةً عن اقتسام الرزق مع الآخرين إلا طلب القوة و السلطة التي تستخدم أيضاً في طلب النساء ، وللأسف فإن هذا الدافع لا يجد إلا قبولاً من الطرف الآخر (النساء) نتيجة للإفتتان الطبيعي بالقوة و التعالي ولا يبدو أنه يكسر هذه الميول المهلكة إلا الإيمان باليوم الآخر و القناعة و تقديم المصلحة المشتركة تجاه بناء هوية تتعدى الزمان و المكان و تقتبس جمالها من الخلقة و خالقها لتبقى ما بقيت الروح في وعيها هي و في وعي الآخرين حتى تلاقي ربها . 
المرأة أقسى من الحياة ذاتها في مجتمع لا يؤمن ، فمجموع تحرك النساء و انتقاؤهم يمثل قانون البقاء ذاته حيث يزول الضعيف ولا يبقى إلا من يمكن المرأة من نفخ ريشها أمام قريناتها.  



النقطة الرابعة .. ( الذكر جنس مستهلك ) 

نتاج هذا الإنتقاء من قبل النساء و التزاحم من قبل الرجال تنحية كثير من الرجال عن سوق الزواج ، و لأن صعوبة الحياة في الغالب تتطلب كثرة اليد العاملة و المقاتلة فإن هذا الجنس يستهلك مادياً و يقنع بإيجاد قيمة لنفسه في سوق العمل طالما أن سوق الزواج قد أقفل في وجهه !! .. و لعل هذه الخصلة الذكورية التي تعني تعالي قيمة الرجل بقدر مهارته و الفائدة منه (السخرة) تعد من أهم الوسائل التاريخية التي يُدفع بها الرجال للعمل مع الوعد بإلصاق صفة الرجولة عليهم إذا أصبح العمل على أتمه . هذا الإبتزاز العاطفي هو نتاج التركيبة الطبيعية للنفس البشرية التي اقتضت بأن تكون الرجولة صفة تستجلب لا تمنح و بأن تكون طبيعة سوق الزواج الإنتقاء لا المشاركة .   

إن حقيقة استعداد الرجل للهلكة تعني أن قيمة هذا الجسد في قدرته و استعداده لأن يكون لبنة في بناء و من ثم فإن استغلال هذه الخصلة يكون طبيعياً لكن إنكار أهميتها في السلم ناتج عن قلة الحاجة لهذا البناء ((أي بنية عسكرية  أو اقتصادية ضخمة تتطلب التضحية الجسدية و النفسية)) 
الذي تعود أهميته مع الخوف و الإظطرابات فتتراجع المرأة وقتها و تتراجع عقلية المساواة التي تقبل بأن تكون ملكيةً غاليةً في يد رجل عوضاً عن أن تكون أداة مستهلكة مثله !! 

النقطة الخامسة .. 
( الرجال ينتشرون و النساء تجتمع ، الرجل يتميز و المرأة تتساوى ) 




بسبب القوة الجسدية و ضعف القيمة في سوق التزاوج فإن مكانة الرجل ترتبط بجرأته و المنفعة منه ، لذلك تكون الرجولة أكثر استقلالاً و أقل تقبلاً للإعتماد على الآخرين و أصعب في التعايش بينما تكون المرأة أكثر اعتماداً على الآخرين و أقل جرأة على الإنفصال و أكثر استعداداً لتقديم التعاطف على التعقل لأن أمنها مرتبط بالجماعة . 

الذكورة ليست هوية محترمة بل نتاج حركة الذكر تضفي عليه صبغة الرجولة المحترمة مما يدفعه لحركة فردية تكسبه قيمة التميز أو حركة جماعية صعبة تكسبه و جماعته قيمة الإنجاز ذاته و التضحيات المقدمه في سبيله .
هذا الفرق الأساس في البنية العقلية لكلا الطرفين ترسم معالم تحركهما ، فالرجل يحتاج لبناء هوية محترمة بينما تجد المرأة قيمتها في ذات جسدها و خلقة نفسها مما يقلل من سعي الأخير للتحرك و يزيد من حركة الأول .

عندما تسود عقلية التميز على عقلية العمل الجماعي العظيم فإن المجتمع يكتسب بنيةً هرميةً رتيبة و مؤلمةٍ يزيد من رسوخها رسوخ أصحاب عقلية التميز في المناصب الحساسه على حساب أصحاب عقلية الجماعة و تمكنهم من تحقيق المنافع المادية و الإجتماعية بالتزاوج على حساب أقرانهم يزيد من إقناع العامة بجدوى هذه العقلية و منطقها على حساب عقلية الجماعة .

المرأة لا تقلل من قيمة التميز و تحقيق المصلحة المادية لكن ضعفها يمنعها عن السعي في ذلك و تجرؤها يظهر عند بروز الفرصة و تراجع المخاطر ، أي أن الرجل هو الذي يجرئ المرأة عندما يهون من طبيعة الصراع السياسي و الإقتصادي حتى تقتحم هذا السوق ، ولو لم يتبنى الرجل مشروع المساواة في هذه المجالات لما اقتحمتها المرأة مصارعة الرجال و لظلت أطر التميز في عقلها محدودة بقدرتها على تزوج الرجل المتميز و معاشرة المجتمع المتميز .

النقطة السادسة .. (مكانة الرجل بقدر نفوذه و مكانة المرأة بمكانة خاطبيها)

هذه النقطة تتبع النقطة الخامسة .. نظراً لاستشعار المرأة أمنها من اجتماعها بالناس فإن قدرتها على التميز محدودة بقدرتها على تزوج المتميز حتى تحل الأوضاع السياسية و الأمنية المرغوبة فتكسر هذه القاعدة لكنها لا تنساها . تسعى حينها المرأة للتميز بمفردها لكنها لا تزال ترفض التزوج ممن هو دونها فتزداد حدة الإنقسام الطبقي عندما تكتسب المرأة هذا الجانب من العقلية الذكورية ، و لأن النساء بالعموم أسعى للمساواة فإن أثر الإنقسام الطبقي أصعب على أنفسهن و أدعى لدفعهن لكسب الشهادة و المال أملاً في تهوين الفارق الإجتماعي سواءً كان هذا الفارق ناتجاً عن تحصل بقية النساء على شهادات أو كان بتحصلهن على وسائل ترفيه و مفاخرة. 

إن هذه الخصال لا تلتزم بالجنس دائماً ولكنها تميزه بالعموم ،  فالسعي لتملك موارد الإنتاج و إدارتها كما السعي للسيطرة على الظروف المحيطة تعد خصلة مميزة للرجل بالعموم مما يشرح سبب نبوغه التجاري و السياسي و العلمي إذا ما أدركنا أن كل هذه النواحي تمثل هذا الإندفاع للتملك و التحكم ، كما أن انتفاء الهوية المميزة يتطلب اسجلابها ولو بالتميز الزائف و استعباد الآخرين فيكون أدعى لترسيخ الطبقية كما كانت نفسه أدعى للإنقسام. إن إدراك المرأة لما يميزها مع إحساسها بالخوف مما هو غريب و بعيد يجعلها مندفعة للإستثمار فيما تتقنه و تطمئن له من احتواء للنفس البشرية و جسدها و الإكثار من نسلها .

هذه الميول لدى الجنسين مرتبطة بمكانتهم  الإجتماعية ، فالرجل الأقدر على التملك و السيطرة تزيد مكانته في الأذهان و المرأة الأقدر على استجلاب محبة الأغلبية من الناس و محبة العلية من القوم تزيد مكانتها في الأذهان . لعل هذا الإختلاف يوضح الأثر السلبي لتمكن المرأة من صبغ المؤسسات في الدولة بعقلية الأنثى المقارِنة ، و المستجدية للإعتراف  ، و الداعية للمساواة ، عوضٍ عن عقلية الرجل المسيطرة ، و المتعالية ، و المتنافسة . 


طلب التميز خصلة بشرية لكنها آكد في حق الرجل إذ أن هويتها تبنى لا تخلق كما أن طريقة تحقيقه للمكانه قائم على فرضها باحتكار وسائل القوة عوض عن استجلابها بتلبية الحاجات النفسية و الجسدية لدى الناس ، تبعاً لذلك فإن الرجل أقدر على بناء الطبقية و إزالتها تبعاً لوسيلة تحقيق الهوية الرجولية في المجتمع ( فردية كانت أم جماعية ) بينما تشكل ميول النساء وسيلة لترسيخ هذه الطبقيه من عدمه.

عندما لا تكون هناك رسالة فإن مجرد البقاء و زخرفة الحياة تصبح غاية و بما أن هذه صنعة نسائية بالأساس فإن العقلية الأنثوية تسود و خصائصها تصبح مميزة لسياسية الدولة، هذا ينسجم مع مراحل نشوء الحضارة و انهيارها بدءً بالطفولة حيث تسود عقلية التميز لدى الرجال فيتصارعون ثم المراهقة حيث يتعصبون لعقيدة و جماعة فينتشرون ليقاتلوا الغير ثم النضج حيث يحصل التوازن بين التعصب و الشك فتظهر العلوم و الفنون تبعاً للقوة الراسخة ثم تنتهي الحضارة إلى شيخوخة تسعى لمجرد البقاء و المتعة عندما لم يعد لها ما تضيفه و أصبح كل شيء معرض للشك و المقايضة طالما بقي الكيان نفسه .  

كما أن تعاقب الزمان و إنجازات الأجداد تورث أبناءها هوية مبنية و شعوراً بالإستحقاق و علو القيمة لمجرد الخلقة مما يطبع شخصية الذكر بطبائع الأنثى و يضعها على أولى عتبات الهلاك إذا كانت هذه البيئة محاطة برجال مستعدة لاستغلال ذلك الضعف .. هذا الكلام يصح لمقال الآخر . 

سيكولوجية التزاوج .. (١)



سيكولوجية التزاوج .. (١)
“يضعف الإنسان عندما تقل حاجة الآخرين إليه”


لعلها من أكثر الأمور وضوحاً في الحياة البشرية العامة مع شدة تخفيها عن أعين الناس ، مقدار تفاوت الرجل و المرأة في قدراتهما و نقاط عجزهما، و لعل تلك النظرة المتجاوزة لحقائق الأمور و أساساتها تدفع الكثير إلى إساءة الفهم .. فالرجل كان دائما ولا يزال يملك فائضاً من القدرة الإنتاجية فيما يعجز عن الإنجاب و الإستخلاف مقابل عجز المرأة عن توفير حاجتها و حاجة رضيعها غالباً فيما تملك هي فائضاً من قدرة الإنجاب و الإستخلاف ، هذه الحقيقة تشكل إلى حد بعيد طريقة تعاط كل من الطرفين مع الآخر و قياسه لقيمته الحقيقية في ((سوق التزاوج)) و ((أرض الصراع))

و لعل أجدا وسيلة لفهم التفاوت و تجاوز العوامل المؤثرة على كلا الطرفين تكون بالعودة إلى واقع بسيط يتشكل من مجتمع صغير تنحصر فيه الوسائل التقنية و العقائد الدينية الضابطة لتظهر الغرائز الطبيعية لدى الفرد التي تدفعه باتجاه حماية نفسه و نسله و كل ما يمثل هويته الذاتية مقابل الآخرين .. و خاصة مابين الذكر و الأنثى 


((مثال القريتين الآمنتين )) :
لو افترضنا وجود قريتين آمنتين غير مكشوفتين على أي مجتمع خارجي و غير قادرتين على الإتصال بأحد لكن رزقهما موفور و هما في هذه الظروف المريحة يسعيان للحفاظ على نسليهما ..
١- القرية الأولى .. ( تتكون من ١٠٠ امرأة و رجل واحد ) 
قدرة هذه القرية على التناسل لن تتأثر كثيراً بقلة الرجال ، هذا الرجل لوحده قادر خلال بضعة أشهر على جعل هؤلاء النسوة كلهن يحملن و من ثم يضاعفن عدد سكان هذه القرية فيما يقل عن سنتين !! و مع أن ندرة هذا الرجل بالمقارنة مع بقية النساء من حوله قد تدفعهن للتحاسد و محاولة التعالي بعضهن على بعض بطلب قلب هذا الرجل الوحيد إلا أننا إذا افترضنا أن شخصيته رجولية غير مطواعة فإنه سيتمكن من تجاهل هذه الغيرة و الصراع النسوي من أجل تحقيق المصلحة العامة في التكاثر و الإستقواء بالنسل ، و لما تجد النساء في هذا المجتمع الصغير أن التعالي عن طريق التزاوج لم يعد وسيلة مطروحة يصبح الإنجاب و التعالي بقيمة الأبناء و كفائتهم وسيلة أخرى للتميز الإجتماعي المطلوب فيكون ذلك دافعاً لهن في طلب المزيد من الذرية .
٢- القرية الثانية .. (( تتكون من ١٠٠ رجل و امرأة واحدة ))
إن وفرة الخلايا التناسلية لدى كل رجل مع وفرة الرغبة الجنسية تصطدم بواقع ندرة الأرض التي يمكن زراعتها (المرأة) ، فحتى لو افترضنا جدلاً أن المرأة ستتمكن من تلقيح كامل بويضاتها التي وهبها الله كيف ستتمكن من حمل كل هذا العدد من الأجنة و إنجابهم و إرضاعهم ؟! ، لهذا فإن فائدة بقية الرجال في مجال التناسل و الإستخلاف تنعدم تماماً و تظهر تلك القيمة المتدنية بقدر استعداد هؤلاء الرجال للقتال من أجل الحصول على هذه المرأة و رحمها فلا يتوقف القتال حتى يفنى أكثرهم و يبقى واحد يسود بقيتهم إما لعجز ظاهر أو نتيجة إعاقة طارئة . هذه القصة تعطي صورة مفادها أن قيمة الرجل في سوق الزواج تهبط أحياناً إلى الصفر بعكس المرأة التي تحتفظ بقيمتها نسبياً ، و لهذا فأن مهمة الإستخلاف بالنسبة للرجل شاقةٌ بقدر مهمة الصراع الطبيعي من أجل البقاء و لذلك فإن حاجته الدائمة لإثبات أحقيته بالقوة و الدهاء لنيل ذلك الرحم من بين الرجال و لنيل بقية الموارد الطبيعية لا تزال ظاهرة . 


(( مثال القريتين المكشوفتين )) : 
لنعكس هاتين القصتين و لنتصور كيف كانت ستكون الظروف لو أن هاتين القريتين كانتا في بيئة صعبة ( نظراً لشح الموارد و قرب المعتد )  ..
١- القرية الأولى .. نظراً لكونها معرضة للزوال إما لنقص الموارد أو ضعف الحيلة فإن النساء فيها سيجدن قيمة الرجل في نفوسهن تزيد لقوة جسده و استقرار نفسه و ندرته و أن احتمال وفاته يعني احتمال انقراض نسلهم فيكون الصراع بينهن على مكانتهن منه أكثر حدة حتى تتمكن مجموعةً بسيطةً من النساء من السيطرة على قلبه و تجييشه على بقية النساء الأقل حظاً في الجمال و الغنج ليقوم هو بتسخيرهن لخدمته و خدمة مقرباته بالعمل و القتال . 
٢- القرية الثانية .. هذه القرية تصبح في هذه الظروف معرضة لخطرين ، الخطر الأول هو انقراض النسل بانتفاء التزاوج و الخطر الثاني هو دمار القرية بأكملها نظراً لاعتداء أجنبي أو قلة رزق ، و لأن هذا يجعل التنبؤ بالمصير أكثر صعوبة فإن قرار مجموع الرجال هنا يعود لقيمة هويتهم الجامعة و مصلحتها في أنفسهم في مقابل الهوية الفردية و الحرص على المنفعة الذاتية و لذلك فإنه يحتمل أن يدخل الرجال في صراع مع الخارج ليحصل من بقي منهم على المرأة أو أن يتقاتلوا حتى يشعروا بشدة انكشافهم على الخارج فيقبلوا بعلو أحدهم عليهم مؤجلين صراعهم الداخلي إلى حين أو أن تتطلع آنفسهم إلى استكشاف العالم البعيد أملاً في إيجاد نساءٍ و ظروف اقتصاديةٍ أفضل عوضٍ عن الإقتتال الذي قد يذهب بهم . 

هاتين الصورتين الإفتراضيتين توصلنا إلى مجموعة مفاهيم أساسية وهي : 
١- قيمة المرأة في ذاتها و قيمة الرجل فيما يحسن .
٢- الرجولة تمثل الحركة و الأنوثة تمثل السكون . 
٣- المرأة تنتقي و الرجل يجمع .
٤- الذكور .. جنس مستهلك قيمته في درجة استهلاكه . 
٥- الرجال ينتشرون و النساء تجتمع .. الرجل يتميز و المرأة تتساوى .
٦- مكانة الرجل بمقدار نفوذه و مكانة المرأة بمكانة خاطبيها.

أفصل في المقالة التالية ..