الأحد، 5 يوليو 2015

الدولة و الناس

الدولة و الناس 
نقاط تختصر فلسفة التاريخ في نشوء الدول و الحضارات و دوران الأحداث بين الأمم المتجاورة : 

١- التعدي هو الأصل في الطبيعة البشرية ..
 السبب يعود لكون البشر في خلقتهم الأولية دون هداية أو هدف ضعاف طامعون و جزعون يشغلهم طلب الأمان المادي و استمرار النسل ولا يتميزون فيما بينهم إلا بمقدار استعدادهم للتنافس فيما بينهم لنيل المكانة والشرف و المركزية في النسيج الإجتماعي ، أما غير ذلك من معاني الخلود و التناغم مع الخلق و خالق الخلق فإنها مفاهيم دخيلة تزيد وعي الإنسان تركيباً و تعقيداً فتتغير حركته الإجتماعية و السياسية و من ثم مصيره . البشر لذلك بطبيعتهم الأولية ينفرون من المشاركة و تطغى على أذهانهم الشكوك في كل قوة فاعلة خارج ذواتهم ولا يعد التسلط في ذهن الإنسان الأولي (البدائي) إلا وسيلة من وسائل طلب البقاء إما بالقضاء على عدو محتمل أو بزيادة موارد الدخل (المادية و البشرية) ولذلك فإن طبيعة البشر الأولية إقتضت ألا ينضبط البشر عادة في عصبية إلا إذا كانت هذه العصبية أقدر على التعدي و تحقيق المصلحة وهي تزول بزوال هذه المصلحة و تتسع باتساعها ، ولذلك فإن بعض المواقع الجغرافية بمواردها تبرر زيادة سكانها و قوة عصبيتهم و تفوق تنظيمهم الذي دفعتهم إليه هذه الطبيعة فيما تبرر بعض المواقع الجغرافية الأخرى سبب ضعف جماعة أخرى و قلة عددها و تفرق عصبيتها و بساطة هيكليتها السياسية و الإجتماعية إلا أن هذا العامل الطبيعي هو عامل واحد بدائي يظهر تأثيره بشكل واضح كلما كانت دوافع البشر القاطنين بدائية مقتصرة على الرزق و الأمان و يخبو تأثيره كلما تجلت عوامل أخرى أكثر تعقيداً تدفع باتجاه تجاوز هذه العوامل أو تسخيرها فلا يلبث هذا العامل (الجغرافي الطبيعي) أن يتراجع أثره بمجرد بروز العامل الداخلي البشري المعقد مما يعيد شكل البناء السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي .

ملحوظة .. المجتمعات الأولية (البدائية) التي يقل انفتاحها على المجتمعات الخارجية تتصرف بعدائية أيضاً من منطلق الشك المحض و الحرص المحض دون قدرة على رؤية التشابه و المصالح المشتركة ولا تتعلم هذا المنطق إلا بالتدريج مع ازدياد الخلطة و اتفاق المصلحة .



٢- الحضارة منتج ديني ..
 إن قدرة البشر المحدودة على ضبط بعضهم البعض بواسطة الموارد الحسية تجعل بناء الدولة أمراً شاق جداً يتطلب أزمنة عديدة تتراكم فيها الكثير من العادات و العصبيات و القيم التي تساهم في التنظيم الإجتماعي لتحقيق المصلحة الإقتصادية و السياسية المرجوة مما يعني بالضرورة أن الحضارة التي تمثل الدرجة الأعلى في التناغم الإنساني و الحس القيمي و الوعي بالمسؤولية تجاه الغير يستحيل بلوغها بالإعتماد على الوسائل الحسية فحسب إذ هي منتج قيمي خيالي يستحث الأفراد طواعية لتحقيق هدف إستراتيجي مشترك يتجاوز قدرات السلطة المنفردة  .. البناء الحضاري لذلك تحرك بشري داخلي يعتمد في أساس نشأته و تطوره على المورد البشري و فكره أكثر من المورد المادي و وفرته إذ هو وعي جماعي يحرك الناس و يحفز الجميع لبلوغ صورة جميلة سياسية و اجتماعية و اقتصادية و فنية مما يوجد نتيجة مختلفة لهذا البناء السياسي و إن كانت جغرافية أرضه و موارده لم تتغير مع تغير الزمن . هذا المنتج الأخلاقي و التنظيمي المقصود يختلف عن المنتج المادي الناتج عن السعي الحضاري لجماعة من الجماعات إذ أن المنتجات المادية يمكن نقلها و تقليدها و الإضافة عليها في كثير من الأحيان تبعاً للحاجة المادية و ظروف الحياة بعكس التركيبة السياسية و الحركة العلمية و الإقتصادية و الإجتماعية الناشئة عن الحركة البشرية المنتظمة ككل تجاه هدف حضاري ضابط فإنها حبيسة المجتمع الذي آمن به و ضحى لأجله . 


  



٣- العقيدة المؤثرة بضاعة مفيدة في الضبط يحرص السياسي على إبقاء الشكل المطلوب منها ولا يهاجمها ..
 هذه القاعدة تفسر سعي الإنسان لاستحداث عقيدة كما تفسر سعيه لتحوير العقيدة القديمة و الإستفادة منها ..
 (( الفرد الذي لا يؤمن بشيء لا يتحرك لشيء لا يحس بمنفعته المادية القريبة )) ذلك أن الدين يعطي للحياة معنى يتجاوز المادة الملموسة و المتعة القريبة و يعطي للأفعال قيمة خالدة في ذهن العامل مما يزيد استعداد الفرد للتضحية و تحمل الصعاب و الرضى بالقليل و يقلل في النفس معاني الحرص المادي و تبعاتها من طبقية و تفاخر ، هذا الإستعداد للإنضباط الذاتي المستمد من الوعي بالصور الجمالية يكسب الدين قيمة لا تنكر في عقل رجل السياسة إلا أن هذه السلطة في الدين مرهوبة أو مبغوضة نتائجها إذ هي تفوق سلطة رجل السياسة لذلك فإنه غالباً ما يسعى لتحوير الدين و ضبطه أكثر من القضاء عليه حفاظاً على دافع التضحية و الهوية القيمية المميزة ولا تعد الصور المرسومة للعامة من خلاله أكثر من مجسمات خيالية غبية في نظر السياسي لكنها تكتسب قيمتها من خلال قدرتها على تحريك الناس و ضبطهم ولا تختلف عن الأصنام في شيء بل يمكن تجسيد هذه الآلهة على شكل أصنام إن وجد السياسي في ذلك مصلحة ولو حتى زادت الخرافة اللا منطقية حولها فإن المنتج يبرر ذلك الفعل أيضاً ومن هنا تصبح صناعة الخرافة تجارة مربحة سياسياً ولا يلبث التراكم العقدي الخاطىء ( تراكم الخرافة ) كثيراً حتى ينتج مجتمعاً متصلباً تقليدياً منبتاً عن واقعه متغافلاً عن حقوق و حريات أفراده في سبيل المصلحة السياسية القريبة التي لا يمكن لها أن تدوم كثيراً .. إن تراكم الخرافة بهذا الشكل يورث الجهالة و عدم القدرة على الربط المنطقي إذ تصبح الحوادث كلها مرتبطة بإرادة إله أو عدة آلهة دون سنن كونية ثابتة بل هي إرادة الآلهة المنفصلة التي يجب إرضاءها بين حين و آخر تجنباً للحوادث و طلباً للإستقرار و المنفعة الدنيوية ولن يجد القارئ صعوبة في تصور الضعف في هذه الهيكلية السياسية العقدية .



٤- أعظم بناء حضاري بناء عارض يظهر على حدود هويات حضارية متصارعة ، و الدولة نسيج عارض أيضاً يتحلل بتحلل العوامل الخارجية و الداخلية ..
 إن أي بناء إجتماعي بشري هو بناء عارض ( كما هي المركبات العضوية ) يقوى في عصبيته و تركيبته السياسية بقدر تميزه و تصارعه مع العصبيات الخارجية كما أن أي رسالة حضارية هي رسالة مبهمة تظهر تفاصيلها بقدر اختلافها عن الرسالات المجاورة المصارعة لها ، و نظراً لأن الأصل في الطبيعة البساطة و التحلل و الوصول لحالة السكون الذي تتساوا فيه جميع الوحدات في خمول دون تفاعل فإن أي مركب مادي أو عضوي أو اجتماعي هو نتيجة تدخل ما أورث تصادماً و تفاعلاً نتج عنه ذلك المركب المنتظم المعقد وما أن يضعف هذا "التدخل" حتى تعود هذه المركبات إلى طبيعتها الأولية .. التدخل قد يكون عاملاً جغرافياً و سياسياً طارئاً غير محسوب اعتياداً نتج عنه تغيرٌ في الوعي العام و المزاج العام للمجتمع ، أو قد يكون رسالة سماوية تحدت الوعي العام و الأخلاق العامة مما أدى لحركة بشرية مغايرة للحركة القديمة ، ولو أنا تصورنا تصادماً قوياً للرسالات الحضارية (الدين) لكان الناتج أشبه بحركة الموج المتصادم التي ينتج عنها بناءً متراكماً هو حاصل اندفاع الموجتين و لحظة اصطدامهما وتعاليهما تمثل أعلى درجات التحضر الناتجة عن أعلى درجات الأندفاع و التضحية و التعقل و الإستفادة من كل ما هو مفيد . 



٥- يتبنى المجتمع الهوية الأقدر على حماية و تحقيق المصالح المادية عندما تكون الهوية التمثيلية غير ممكنة ..
 إن الحاجة الطبيعية للرزق و الأمان تسبق الحاجة لتمثيل القيم و المعاني ولذلك فإن إحساس الجماعة بعدم توفر الخيارين جميعاً ( ضمان الحاجات الضرورية للبقاء و تمثيل المبادئ و القيم و الصور الجمالية ) يحيلها للقبول بالخيار الأول و تجاهل الهوية التمثيلية طلباً للبقاء ، و ما أن تستقوي الجماعة و تستشعر إمكانية تعبيرها عن نفسها و قيمها فإن استعدادها للهلكة يصبح ظاهراً إذ الهلكة العامة للجماعة أصبحت مستبعدة و من ثم فإن النفوس (المزاج العام) انتقلت في حركتها من دافع البقاء و الإحتماء إلا دافع التعبير و التمثيل (الرسالة الحضارية) وهذان الموقفان في أثرهما على التركيبة السياسية و المزاج الإجتماعي متباينان أشد التباين و نتيجتهما على القدرة الإبداعية تختلفان بقدر اختلاف النفسية الواثقة المندفعة عن النفسية المنكفئة المعتذرة . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق