الأحد، 3 مارس 2013

تعليقات و اقتباسات من كتب




يقول ابن خلدون: 
( الصفاء التام لا يكون إلا بالتوحش التام ) ... فكلما توحشت و تصحرت مجموعة ما ، صار لها فرصة في الالتفاف الذاتي و الانغلاق على نفسها ، و كلما خطت باتجاه التحضر و انتقلت من سكنى القفار إلى سكنى المدن بدأت بالاختلاط.
.. يجب أن نعي أهمية النسب بالنسبة لأفراد القبيلة البدو ، ذلك أن التنقل ينزع عنهم الهوية المكانية و يبقي الهوية الإسمية التاريخية الأمر الوحيد الذي يمكن أن يعرف الإنسان به نفسه و الذي يجب أن يحتفظ به الإنسان ليجد له امتداد في التاريخ و قصة تمثل مبادئه و شرف عرقه.

تقوم البداوة على الاكتفاء بالضروري من العيش و التوجه نحو الرعي و طلب المرعى ، تحترم التنقل بسبب الحرية التي يمتلكها الإنسان البدوي و القوة التي يكتسبها و من ثم الانعتاق من أي سلطة مركزية قد تفرض عليه .. كل هذه الأمور يقدسها البدوي فيجعل من الشجاعة و الكرم المعياران الوحيدان في التفاضل و تموت الطبقية الاقتصادية لعدم توفر الفاضل من المعاش .

يقال أن تنوع الاقتصاد يأتي مع تنوع النسب و العكس صحيح .. يقول الغذامي : كلما تمكنت شروط المعاش في بيئة من البيئات و تركزت في نظام واحد غير متعدد نتج عنها نظام ذهني أحادي التفكير و التصور ، و بما أن نظام الصحراء يقوم على اقتصاديات الضرورة و هو نظام واحد يؤدي من جهة إلى حال من التساوي بين أفراد المجتمع و اختفاء الطبقية فيما بينهم و يساعدهم على التحرك السريع و المباشر فقد ساعد على تشكيل نظام اقتصادي تكافلي رعوي غير منفتح  و مجموعة من النظم الاجتماعية و العادات الغير قابلة للمساءلة  ..

عدم اختلاط الأنساب لم يكن أصلا ثقافيا لكنه تأصل نتيجة لهذه الظروف المعاشية ، و لا يكون ذلك إلا بشرط الترحال و الإمعان في الصحراء ، و يقل كلما اتجهت حياة الإنسان المعاشية إلى تنويع مصدرها الاقتصادي ،  فكل الاقتصاديات المنغلقة تعني نسبا منغلقا و في المقابل فإن الإقتصاديات المتنوعة تعني بالضرورة نسبا متنوعا ، و هذا أمر ملحوظ في الفروق بين الصحراء كبيئة وعائية و المدن كبيئة معاشرة في المقابل ، و كلما زادت المدينة تنوعا في اقتصادياتها زادت تنوعا في أنسابها و مصاهرتها ، و التنوع الاقتصادي هو تنوع ثقافي و تنوع سلوكي ، و ( ثنائية المعاش و المعاشرة هي ثنائية ثقافية تتفرد أو تتسع في تعاقب طردي مع ما هو كائن فيها ) .

و يقول الغذامي عن أحادية الإقتصاد السعودي : 
   ( و نحن في زمننا هذا نعيش في اقتصاد يكاد يكون واحد هو اقتصاد النفط و لهذا الاقتصاد ضروراته التي تؤدي إلى نوع من السلوك الواحد ، و هو ما يفسر طغيان الأحادية فينا و يجنح نحو تعزيز صفاء مفترض مثلما يجنح إلى تصنيف علاقات الناس مع المهنة حيث صار النفط اليوم هو الوريث للإبل في الماضي ، و كما وجهت الإبل نظام البشر قديما حسب ابن خلدون فإن النفط كوريث لها يوجه نظام حياتنا فيوغل بنا في نظام معاشي و ذهني و مسلكي واحد ، و كل نقص في التنويع المعاشي هو نقص في التنويع الثقافي . فالمعاش الواحد هو النسق الواحد ، بينما المعاش المتعدد هو ما يؤدي إلى تعدد الأنساق ) .

يقول الغذامي : ( النسقية تعمد دوما لتلمس أجمل ما فينا ثم تلبيسه لبوس الحق المطلق حتى ليتحول الجميل إلى قبيح و الثقافي إلى عنصري و يتحول التاريخي إلى تفكيكي و يتحول الحق إلى باطل ) . و يقول أيضاً .. ( و في حالتنا هذه صارت القبيلة التعبير النسقي الأبرز مرحليا ، و هذا أمر ثقافي يخص بلدان الجزيرة العربية و العراق و الأردن ، و يقابله في لبنان الطائفية و في شمال إفريقيا العرقية ) 

يقول الغذامي : ( يتراءى للإنسان أن منظومته القيمية هي ذات ارتباط عضوي بقيمته الإنسانية ، و هذه المنظومة القيمية الافتراضية هي العامل الأول في مقياس الخفض و الرفع ، و كل قيمة أخرى تصبح حين إذ علة الدونية )

يقول الغذامي : ( حين تقول الثقافة بفكرة الأصل ، أي الموروث السلالي و العرقي الذي ينسب الأسلاف بصفات و مزايا متصلة و متناسلة ، حينما تقول هذا فإن الافتراض يقوم على جملة تناقضات عميقة ) ..

( و كما يولدون متساوين في القدرات - أي عموم الناس- فإن القدرات تتحرك حينما تلقى تحفيزا فعالا أو تحديا يدفع للعمل و المواجهة و ينبش القدرات الداخلية لتعمل عملا هو وليد هذه التفاعلات فينتج عنه تميز بما إنه صفة لما يفعله المرء و ليس لما ورثه من صفات تنتسب لما فعله أجداده ، و يفعل الأجداد أفعالهم بسبب تلك التحفيزات ، و لكن الأحفاد يتجاهلون ذلك لأن النسق الثقافي يمدهم ببديل يريح النفس الأمارة بالسوء )   

أعظم الأحداث و أكثرها خلودا في ذاكرة الناس هي التلك التي تكون ناتجة عن وجود صراع أو تحد ما يستخرج أفضل و أجمل ما في الناس من طاقات و قدرات و مواهب تمثل الصورة القوية و المميزة التي يريد أن يكونها الناس ثم لا يلبث أبناؤهم أن يتشبثوا بهذه الصورة حتى ترتبط في أذهانهم بعرقهم الخاص حتى وإن كانوا قد فقدوا مقدار الحرية و الإبداع و القوة و كل مقومات الاستقلالية الحضارية في حاضرهم .. 

نحن كبشر عندما نفقد القدرة على ادعاء علو مقامنا بما ننتجه نقوم بادعاء العلو في أصل خلقتنا .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق