الأحد، 18 أكتوبر 2015

مسايسة الجماعات في الإسلام



مسايسة الجماعات في الإسلام 


عندما تتميز الأهداف و تتضح القيم ذات الأولوية فإن حركة الجماعة تسهل و كذلك التعامل مع الإختلافات و المصالح المتعارضة , ذلك أن إقناع الناس و تنظيمهم يصبح أمراً ممكناً متى ما تميزت القيم و ترتبت في أذهان الجميع بشكل متطابق . 

إن الدولة الإسلامية نجحت فيما لم تنجح فيه دولة أخرى ، متكئة على عقيدة رسخت قيماً تراتبيةً أعطت الفرصة للفرد و الجماعة لتحقيق هويتها و إرضاء دوافعها دون أن تُقطّع الجماعة السياسية و تُفَتت هويتها على الرغم الإتساع الجغرافي و التباين العرقي و تفاوت الموارد . 

إن الإسلام على رغم إدراكه لتميز الفرد في شخصيته و طموحه ينحو للتعامل معه على أنه عضو في جماعة قبل أن يكون كياناً مستقلاً وهو بذلك يركز على أهمية الواجبات الملقاة على كل طرف في المجتمع و على أهمية تحمل المسؤولية التي تعني بالضرورة تجاهلاً جزئياً للتمايز الفردي و للمصلحة الفردية لحساب مصلحة الجماعة ، و هذا لا يظهر في التعامل مع القبائل و العوائل الكبيرة ككيانات سياسية تتحمل عن أفرادها بعضاً من المهام فحسب ولكنه يظهر أيضاً في التعامل مع الأسر النووية المتكونة من زوج و زوجة و أبناء فيخاطبها ككيان واحدٍ متجاهلاً أيضاً بعض المصالح الفردية و التفاوت الطبيعي مقدماً وحدة الأسرة على مصلحة الأفراد المكونين لها . 

إن هذه الطريقة في التعامل قائمة على إدراك عدة حقائق : 

١- المصلحة العامة لا تتحقق إلا عند تقديمها على المصلحة الخاصة بالعموم . 
٢- المصلحة العامة قائمة على السخرة و الطبقية التي تقوم فيها جماعة عريضة عامة بالإنقياد لجماعة بسيطة متميزة .
٣- البشر كائنات إجتماعية تذوب في جماعاتها الصغيرة حد الإمتزاج .. و نظراً لأن ما ينطبق على الأفراد بالعموم ينطبق على الجماعات فإن مسايسة الجماعات الصغيرة و مخاطبتها خير من تجاهلها . 
٤- لا يوجد عرق يحتكر التميز و لا يظهر التميز إلا بمقدار الإنكشاف على المخاطر و بالتالي فإنه يُترَك للظروف ما لا يمكن أن يحله إلا الظروف . 

إن أي مكينة تعمل تحتاج للتميز الوظيفي الذي تنشغل به أطرافها حتى يصبح مجموع العمل منتجاً واحداً واضحاً مفيداً ، و نظراً لأن أطراف أي مكينة تختلف في مقدار أهميتها و مركزيتها في هذه العملية الجماعية فإن التراتبية تصبح هوية واقعية تميز أطراف المكينة عندما يكون النظر من الداخل ، و نظراً لأن المنتج النهائي يحتاج لتعاون هذه الأطراف و تناغمها عند العمل فإن هذا المنتج النهائي يحتاج لأن تطغى قيمته على قيمة التراتبية و المركزية في داخل هذه المكينة عند أطرافها . 

الحصول على التناسق و التناغم أمر لا يقل في أهميته عن أهمية التركيب الأول ، و نظراً لأن طلب المركزية أمر طبيعي و تميز الإمكانات لا يظهر إلا بالمواجهة فإن وصول الأفراد ذوو القدرة المتميزة لا يمكن أن يُحسَب و يُدار بل يُترك و يُراعا مراعاة المصلحة العامة ، و قس على ذلك الجماعات إذ هي في عصبياتها تتحرك تحرك الأفراد . 

إذا نظرنا إلى القواعد السابقة إستثنينا منها التميز الجنسي عند الجنسين إذ هي حقيقة خَلقية ثابتة ( و إن كانت تتعرض للتشكيك في كل مرة قلت الدواعي المادية للتمييز بين الجنسين ) ، ولكنها لا تلبث أن تظهر كلما تعرضت هذه الكيانات السياسية و الإجتماعية للتحديات التي تشكك الناس في جدوى ثقافتها الخاطئة ( غير العملية ) .


سأتكلم في عدة نقاط متسلسلة حسب الإتساع الديموغرافي و الأثر السياسي لكل نقطة عن طريقة تعامل الدين الإسلامي و نظرته لهذه القضاياالإجتماعية/السياسية : 

  • الرجل و المرأة و الأسرة النووية : 
يعطي الإسلام الرجل ميزات قانونية تفضله على المرأة و تمنحه القدرة على السيطرة عليها و تسخيرها لما يرى فيه مصلحة للأسرة ككل ، و كانت هذه القوانين ولا تزال محل انتقاد المجتمعات الأخرى و تجريحها و طعنها في هذا الدين إذ هي ترى فيها تمييزاً و استحقاراً لجنس كامل لا يمكن الإستغناء عنه و لكن ضعفه وقف حائلاً أمام مطالبته بما يرونها حقوقاً مشروعة ! 
إن وعي الشارع في الإسلام بالإختلاف الطبيعي القائم بين الجنسين ظاهر في تشريعه و ظاهر في تأكيده على الوظائف التقليدية المنوطة بكلا الجنسين ، فالمرأة التي كانت ولاتزال خلقتها متمحورة حول إبقاء النسل البشري و تنشئته تختلف في قدرتها و هشاشة بنائها النفسي و العقلي عن الرجل الذي عني منذ نشأته الأولى بإيجاد بيئة آمنه و وافرة و قادرة على استقراء المستقبل و الصمود في وجهه مما يجعل القوة الجسدية و النفسية و العقلية قرائن منطقية لازمة لوجوده.
إن تأييد الشارع لسيادة الرجل و تمكينه من مفاصل القوة في العلاقة قائم على إدراك حقيقتين مهمتين هما : ١- أن الرجل الذي تعوز جسده القيمة التي يحظى بها جسد المرأة يجد في نفسه الحاجة الدائمة لبذل جهده و ممتلكاته من أجل الحصول على هذه القيمة و الهوية المحترمة ، و بالتالي فإن إرخاء الحبل للرجل في موضوع العلاقة الزوجية لا يؤدي للإضرار بالمرأة على العموم إذ أن هذا يناقض خلقته و دوافعه الغريزية .  ٢- و كذلك فإن المرأة التي تجد في مجرد خلقة جسدها قيمة عالية و هوية مطمئنة لا تحتاج معها للعمل و التضحية تمتلك القدرة على تقييد النسل إذ هي تحتكر الإنجاب و تقرره ، و متى ما انفصلت قيمتها في نظر المجتمع عن الإنجاب إلتفتت عموم النساء عنه و انهار الكيان الأسري عموماً .. و نظراً لأن الشارع يفضل العقلية التائهة المتألمة التي تبحث عن الأنساق و تستقرئ المستقبل و تبني قيمتها على مقدار عملها و قوتها المجموعة فإنه قام بتمكين الرجل من المرأة جسداً و نفساً إذ أعطاه حق القوامه و زاد عليها بتشريع التعدد فصارت القاعدة في العلاقة الزوجية السيادة و الإتباع لا المساواة و التنازل . 
و لعل التصريح الواضح بما هو مشار إليهه تلميحاً في غير ما آية و حديث يؤذي أكثر مما يغري ، ولكن الحقائق تبقى صارخة في كل زاوية تشهد بأهمية تسخير الأنثى و تطويعها لزوجها ضماناً لمصلحة المجتمع عموماً و خوفاً على فنائه متى ما فقد الرجل مركزيته في العلاقة و علو رأيه و نظرته في عينها . فالرجل أقوى من المرأة و أعقل من المرأة و أهدا من المرأة ويحرص الشارع على تأكيد ذلك و تيسير أسبابه حتى يقع في نفس المرأة ذلك فتستسلم لزوجها حتى يكون جنتها و نارها إلا من أساسيات الدين التي تعرفها فلا تطيعه إن خالفها.

  • القبيلة و العرق كمكونات سياسية لمجتمع متنوع : 
من الخصائص الطبيعية للبشر الضعف ، و الضعف هنا يقصد به الجسد الذي يعجز عن تأمين عيشه و ضمان أمنه و تسخير بيئته دون الإنضباط في جماعة تتقاسم المهام و تنشط كروح واحدة .. هذه الحقيقة الإجتماعية تجعل الكيانات الساسية الكبيرة في صراع دائم مع هذه الجماعات الحيوية الصغيرة التي يستشعر الناس قيمتها المادية و المعنوية و كثيراً ما ينشطون لحمايتها على حساب الكيان السياسي الأكبر ، و لعل الشارع هنا رعى هذه الحقيقة و تجنب مصادمتها و حول الإهتمام عن تذويب المجتمع في قالب واحد صلب إلى تأكيد التساوي أمام الخالق و ربط المثوبة بدرجة التواضع و التراحم و توحيد مصدر التلقي (القران) و طريقة التخاطب (اللغة العربية) و تأكيد الهدف الإستراتيجي الواحد (عبادة الله وحده) .. 
إن الأسس الثلاثة المذكورة ( مصدر التلقي و لغة التخاطب و وحدة الهدف الإستراتيجي ) تعمل كعمود فقري يجمع أطراف الكيانات الإجتماعية المتباينة دون أن يقضي على هويتها الحيوية الضامنة لرزقها و أمنها و حركتها .. و هذاا يفسر إلى حد بعيد قدرة الدولة الإسلامية على جمع الأعراق التي لم  تجتمع قبل مع حفظه للكثير من خصائصها المميزة.

  • الطبقية الإقتصادية : 
لا يمكن لأي مجتمع أن ينمو مالم يسمح للقوي النافع فيه أن يسود و الضعيف الهش أن يتنحى ، و لعل المعاملات التجارية الحرة و قوانين السواق المنطبقة على الجميع من أنجع الوسائل لتمييز الكفاءات و تأكيد قيمة التنافسية . إلا أنها تعمل أحياناً على ترسيخ الطبقية بمعاملات تجارية تشرع للمتعال أن يستعبد الآخرين .. أهم هذه الوسائل ( الربا الذي يحمي صاحب رأس المال و يضمن تبعية المستدينين ، و القمار الذي يعتبر طريقة إستثمارية مضمونة المكسب قليلة النفع كثيرة الغبن ، و البيع على الآجل و ما يلزمه من تكهن يؤدي إلى مخاطر و هلكة ، و أخيراً كل الإستثمارات القائمة على استغلال الغرائز الآولية القوية في جسم الإنسان و التي تدفع المجتمع بعمومه نحو الأنانية و الجزع و الإسترقاق الغريزي ) 
إن الشارع في الإسلام يؤكد أهمية السوق في تمييز الصالح من الطالح و في قدرته على إبراز الكفاءات و حماية الحريات لكنه لا يغفل أبدا عن التنبيه على المسؤولية الإجتماعية و حدود نفع العقلية التجارية الأنانية إذ هي تتصادم مع تجارة الآخرة التي تستنهض النفوس لتجاوز الغرائز البسيطة و الشعور بما في المحيط من معجزات و آلام تستوجب منا تأملاً و عملاً . 

  • الطبقية السياسية :  
لا أحتاج لإعادة تأكيد أهمية توزيع العمل على نطاق سياسي مهما تدنت مركزية الفرد فيه و الجماعة نظراً لأن المجتمع كلما كبر تركب و كلما تعقد تركيبه و حسن تناغمه قوي و القوة السياسية مطلوبة طالما أن العقيدة و المبادئ الدينية الحاكمة مقدسة و يجب حمياتها ولا يمكن حمايتها إلا بقوة سياسية .. 
إن المجتمع كلما كانت أهدافه الإستراتيجية أهم في نظر العامة كانت عوائقه الإجتماعية الداخلية أضعف و العكس بالعكس ،  و نظراً لكون الإسلام لا يحرم الإنتماء القبلي ولا العرقي و إنما يحده بحدود المصلحة العامة فإنه من المتوقع أن تتمايز الجماعات في مركزها السياسي تمايز الأفراد ولكنه ليس من المقبول أن تصبح للعصبية قيمة تفوق قيمة الدجماعة ولا تنافسها ولا حتى أن تقوم بإثارة الضغائن بتأكيد التمييز و التعالي مما يقتل في النفوس الرغبة في التعاون ، و هذا كله منوط بالشعور بالمسؤولية تجاه هذه الرسالة السماوية و الإنتماء لها و الرضا بقضاء الله فيما قدر من ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ليس سوا ذلك حام للمجتمع .ے